السلايدر الرئيسيشرق أوسط
بين قضيّة خاشقجي وتصريحات بن سلمان: متى سيقوم فلاديمير بوتين بزيارته المقرَّرة للرياض؟
جمال دملج
– بيروت – من جمال دملج – بعدما كانت وكالة “ريا نوفوستي” الروسيّة قد نقلت البارحة عن مدير متحف الأرميتاج ميخائيل بياتروفسكي قوله إنّ وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان أبلغ وفدًا يضمّ كبار رجال الأعمال من روسيا والصين واليابان وفرنسا لدى استقبالهم على هامش فعاليّات “منتدى مستقبل الاستثمار” المنعقد في الرياض بأنّ السعوديّة باتت “تعرف الآن من هم أصدقاؤها الأفضل ومن هم أعداؤها الألدّ”، وذلك في إشارةٍ إلى مواقف الدول الأربع التي اتّسمت بالاتّزان حيال تداعيات قضيّة قتل الصحافيّ السعوديّ جمال خاشقجي داخل مقرّ قنصليّة بلاده في مدينة اسطنبول التركيّة يوم الثاني من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري، سارع المراقبون المعنيّون برصد مسار العلاقات الروسيّة – السعوديّة إلى تركيز أنظارهم على قصر الكرملين لمعرفة ما إذا كانت هذه التصريحات ستؤدّي إلى تعجيل موعد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين المقرَّرة مسبقًا للرياض بغية إتمامها قريبًا في ظلّ هذه الأجواء الدوليّة الملبَّدة التي تخيِّم على المملكة، الأمر الذي كانت ملامحه الأوّليّة قد ظهرت أصلًا نهار الاثنين الماضي، أيْ قبل يومين من إطلاق تصريحات بن سلمان، وذلك عندما أعلن نائب وزير الخارجيّة الروسيّ ميخائيل بوغدانوف أنّ التحضيرات للزيارة مستمرّةٌ، مؤكِّدًا على أنّ قضيّة خاشقجي “لم تؤثِّر على الاتّصالات بين موسكو والرياض، بما في ذلك أعلى المستويات”.
وعلى رغم أنّ الموعد النهائيّ لهذه الزيارة لم يتحدَّد بعد، بحسب ما جاء لاحقًا على لسان المتحدِّث الرسميّ باسم الرئاسة الروسيّة ديمتري بيسكوف الذي قال بدوره أيضًا إنّ التحضيرات ما زالت مستمرّةً، فإنّ ذلك لا يعني بالطبع وجودَ أيِّ عقباتٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ تعترض مسار العلاقات الروسيّة – السعوديّة في الوقت الراهن، ولا سيّما بعدما أفادت الأنباء الواردة من موسكو بأنّ الرئيس بوتين قد يلتقي بوليّ العهد السعوديّ على هامش فعاليّات قمّة “مجموعة العشرين” المقرَّرة في العاصمة الأرجنتينيّة بوينس آيرس في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل إذا لم يطرأ أيَّ جديدٍ قبل ذلك بالنسبة إلى مسألة تحديد موعد زيارته للرياض.
لا شكّ في أنّ العلاقات بين روسيا والمملكة العربيّة السعوديّة كانت قد تطوَّرت بشكلٍ ملحوظٍ منذ الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان لموسكو يوم الثلاثين من شهر أيّار (مايو) عام 2017، أيْ قبل أقلَّ من شهرٍ واحدٍ فقط من تعيينه وليًّا للعهد، مقارنةً بما كان عليه الحال عندما شهدت هذه العلاقات في السابق الكثير من المدّ والجزْر والكرّ والفرّ على خلفيّة تبايُن وجهات نظر البلدين حيال شروط وآليّة التوصُّل إلى التسوية المرجوَّة للأزمة السوريّة، وهي الزيارة التي سرعان ما مهَّدت الطريق لإتمام الزيارة التاريخيّة الأهمّ التي قام بها العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام نفسه، ولا سيّما إذا أعدنا للذاكرة أنّ الطائرة الملكيّة لم تكد تهبط على مدرَّج مطار “فنوكوفو 2” بتاريخ الرابع من ذلك الشهر حتّى “وقفت فرقة حرس الشرف الروسيّة على أهبّة الاستعداد لاستقبال ضيفٍ رسميٍّ لم يسبِق لها أن رحَّبت بمن يرتقي إلى مستوى جلالته داخل الأسرة الحاكمة في المملكة العربيّة السعوديّة منذ عام 1926″، على حدِّ وصْفِ وسائل الإعلام الروسيّة، الأمر الذي أضفى على المناسبة طابع الحدث التاريخيّ بامتيازٍ، ناهيك عن أنّ الزيارة بحدِّ ذاتها جاءت في توقيتٍ بالغِ الأهمّيّة من حيث دلالاته المتعلِّقة برسم ملامح الشرق الأوسط الجديد، بقدرة القادر الروسيّ وليس الأميركيّ هذه المرّة، وخصوصًا بعدما أصبح في حكم المؤكَّد أنّ روسيا نجحت عبْر البوّابة السوريّة في تحقيق ما يليق بها من إنجازاتٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ واستراتيجيّةٍ في المنطقة.
علاوةً على ذلك، فإنّ القيادة السعوديّة التي أدركت أهمّيّة الحضور الروسيّ في ترسيخ ركائز التوازن على الساحة الشرق أوسطيّة، كانت تدرك في الموازاة أنّ المحاولات الأميركيّة المتكرِّرة لاستنزاف قدراتها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة، وحتّى الدينيّة، لم تتوقَّف طيلة السنواتِ السبعَ عشرةَ الماضيةِ عند أيِّ حدٍّ، بدءًا من زجِّ أسماء بعض الرعايا السعوديّين في قائمة المتورِّطين في القيام بتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 على برجيْ مركز التجارة العالميّ في نيويورك ومقرّ البنتاغون في واشنطن، مرورًا بإجبارها على الانصياع لإبرة بوصلة توجُّهات الرئيس جورج دبليو بوش أثناء حربه على “أسلحة الدمار الشامل” في العراق عام 2003، ومن ثمّ لإبرة بوصلة توجُّهات خلَفه باراك أوباما في غمرة تداعيات ما اتُّفق على تسميته مجازًا بـ “ربيع العرب” عام 2011، ووصولًا إلى تحميلها تبعات التلويح بعصا قانون “جاستا” الذي بلغت تكلفة الحيلولة دون وضعه حيِّز التنفيذ لدى زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض في شهر أيّار (مايو) عام 2017 قرابة الخمسِمئة مليارِ دولارٍ، وهي المحاولات التي كان لا بدّ من مواجهتها في نهاية المطاف عن طريق اتّخاذ قرار الذهاب، بمقامٍ ملكيٍّ، إلى موسكو، أملًا في كبح جماحها بحزمٍ، وبالتالي، سعيًا إلى الاستجابة، بعقلانيّةٍ، للصوت الروسيّ الذي لم يكفّ يومًا عن الدعوة إلى وجوب الالتزام بالمحافظة على مكانة الجميع، وعلى مصالحهم، داخل الأسرة الدوليّة، وتحت مظلّةِ عالمٍ متعدِّد الأقطاب.
وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ شعار “الدفع مقابل الحماية” يكاد يتحوَّل إلى ماركةٍ مسجَّلةٍ في أسلوب تعاطي واشنطن مع الرياض، سواءٌ قبل قضيّة مقتل الراحل جمال خاشقجي أم بعدها، فإنّ اثنين لا يمكن أن يختلفا أيضًا على أنّ الرئيس ترامب سيبذل قصارى جهده لكي لا يضيِّع على الولايات المتّحدة صفقة المئةِ وعشرةِ ملياراتِ دولارٍ مع السعوديّة، وبالتالي، لكي لا يُصار إلى “تجيير” هذه الصفقة لصالح روسيا أو الصين، بحسب ما عبَّر عنه مؤخَّرًا بصراحةٍ مطلقةٍ ومن دون أيِّ موارَبةٍ، الأمر الذي يجعل التعجيل في تحديد موعد زيارة الرئيس بوتين المقرَّرة للرياض، تلبيةً لدعوة خادم الحرمين الشريفين، مسألةً ملحَّة للغاية، وخصوصًا في مجال المساعدة على استقراء وتحديد شكل العلاقات الأميركيّة – السعوديّة في المستقبل… وحسبي أنّ كلمة السرّ لما قاله وليّ العهد البارحة عن أنّ بلاده باتت “تعرف الآن من هم أصدقاؤها الأفضل ومن هم أعداؤها الألدّ” تكمُن هنا… والخير دائمًا من وراء القصد.