– باريس – من أحمد كيلاني – قالت صحيفة “لوموند” إنه من خلال ضرب مصداقية المملكة العربية السعودية على الساحة الدولي، جاءت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لتصدم بشدة طموحات المملكة الدبلوماسية، وخصوصاً هدفها الأول لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن ذلك الأمر ظهر خلال حوار المنامة الأخير، وهو المؤتمر السنوي رفيع المستوى المكرس للأمن في منطقة الخليج والشرق الأوسط، والذي عقد نهاية الأسبوع في البحرين من قبل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وأضافت “لوموند” أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان حاضراً المؤتمر حيث قدم المملكة كمنارة وعماد الأمن في الشرق الأوسط، في حين أعرب وزير الدفاع الأمريكي الذي دعي أيضاً للمؤتمر عن أسفه من تصرفات المملكة لأنها “تقوض الاستقرار عندما نكون في أمس الحاجة إليه”.
ونقلت الصحيفة عن المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الدولية إميل حكيم قوله إن “السعوديين في موقف دفاعي، إذ لم يعد بإمكانهم الظهور كواجهة للأخلاق، وسيتوجب عليهم تكريس معظم وقتهم ومواردهم ورأس مالهم السياسي للتغلب على هذه الأزمة”.
وأوضحت “لوموند” أن قادة طهران الذين لم يعبروا عن رأيهم تقريبا بقضية خاشقجي، يفكرون بهذا الموضوع، مشيرة إلى أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تحاول إيران تعزيز قوتها الإقليمية.
ونقلت الصحيفة عن السفير الإيراني السابق في سوريا ومستشار الشؤون الخارجية في طهران، حسين شيخ الاسلام قوله “كنا ننتظر من الولايات المتحدة وحلفائها إيذاء أنفسهم”.
ولفتت “لوموند” إلى أنه في أروقة حوار المنامة لم يخف بعض المشاركين الخليجين انزعاجهم من الاحتجاج العالمي من هذه القضية، حيث قالت أستاذة العلوم السياسية الإماراتية ابتسام الكتبي “لقد تم تسيس القضية بالكامل، وهي طريقة لابتزاز السعودية من أجل أموالها”.
وأضافت الصحيفة انه خلال المؤتمر، تم الضغط على عادل الجبير بالأسئلة المتعلقة حول التورط المحتمل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تصفية خاشقجي، لكن الجبير ندد بالهستيريا الإعلامية، وأكد أن نتائج التحقيق التي تجري بالاشتراك مع السلطات التركية سيتم نشرها، وسيتم وضع آليات لضمان عدم تكرار مثل هذا “الخطأ”.
وأوضحت “لوموند” أن محللين خليجيين يدركون الأضرار التي لحقت بسمعة السعودية، يعتقدون بأن أزمة الثقة بين الرياض وحلفائها لن تستمر، ويقولون إنه من الممكن لبعض الوقت أن يرفض المسؤولون الغربيون الظهور مع ولي العهد المشتبه في تورطه بالعملية، لكن ذلك لا يعني أن التعاون الاستراتيجي سيتوقف، لأن الولايات المتحدة على اتفاق تام مع السعودية حول المسألة الإيرانية.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله قوله “لقد عشنا بالفعل فترات من الأزمة على هذا النحو خلال هجمات 11 سبتمبر 2001، وفي 1973 تاريخ أول صدمة نفطية في أعقاب حرب تشرين، مضيفا أن ذلك سينتهي بسبب المصالح الاستراتيجية التي تربط القوى العظمى بالمملكة.
وأشارت “لوموند” إلى أن التقويم الدولي يشهد على ذلك، ففي 4 تشرين الثاني/نوفمبر يجب أن تصل العقوبات الأمريكية ضد طهران إلى أعلى مستوى، مع فرض الحظر الكامل على مشتريات النفط الإيرانية، تحت طائلة العقوبات المالية الشديدة، مضيفة أن الانتخابات النصفية الأمريكية المقرر إجراؤها بعد يومين لا ينبغي “ما لم تحدث مفاجأة كبيرة” أن تحرف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطها المناهض لإيران، لافتة إلى أن مجلس النواب الذي سيتجدد ليس لديه مجال كبير للمناورة في السياسة الخارجية.
وقالت الصحيفة إن العامل الوحيد الذي يمكن أن يغير المعادلة هو في يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وعد بإلقاء الضوء على قضية خاشقجي، لافتة إلى أنه من خلال الأسرار مجهولة المصدر في وسائل الاعلام التركية ألمح المحيطون بالرئيس أردوغان أن لدى أنقرة عناصر تجرم ولي العهد السعودي.
ونقلت “لوموند” عن عبد الخالق عبد الله تساؤله: على افتراض أن لدى أردوغان هذه العناصر، فهل الرئيس التركي مجنون ليدمر علاقات بلاده مع الرياض من خلال عرضها للعامة ؟ لا أعتقد ذلك، مضيفاً أن محمد بن سلمان لن يترك السلطة وأنه يجب على الغربيين أن يتعلموا كيفية التعامل معه مثلما يتعاملون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأوضحت الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين الذين ظلوا صامتين أيضاً أثناء الأزمة، ولكن لأسباب معارضة تماماً للقادة الإيرانيين، يريدون أن يزيدوا الضغط على طهران، وفي هذا الصدد جاءت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان والرحلات الحالية أو المخططة لعدد من وزرائه إلى دول الخليج، مضيفة أن تلك الزيارات تشير إلى أنه من غير المحتمل أن تعيق قضية خاشقجي حركة التقارب بين إسرائيل ومملكات شبه الجزيرة العربية، بدافع من كراهية مشتركة لإيران.
وقالت “لوموند” إن كل شيء يوحي بأن الجهود لتشكيل جبهة معادية لإيران على الرغم من بطئها، يجب أن تنجو من الاضطراب الذي خلفه اغتيال خاشقجي، ومع ذلك فإن فعالية هذه المناورات الدبلوماسية الكبيرة ليست مضمونة بأي حال من الأحوال، وذلك بالنظر إلى الانقسامات التي تقوض دول الخليج، وخاصة الأزمة المتعلقة بقطر، وقلة اهتمام الرئيس ترامب بالمعاهدات المتعددة الأطراف، ومشروع حلف شمال الأطلسي (الناتو) العربي، والذي سيضم الولايات المتحدة، وملكيات الخليج، والأردن ومصر.
ونقلت الصحيفة عن اميل حكيم الذي يتوقع أن تستفيد واشنطن من الضعف الحالي في الرياض لمحاولة الحصول على رفع الحظر عن الملف القطري، قوله ان احتواء إيران مفهوم صعب تحقيقه”، في حين قال دبلوماسي غربي إن خنق إيران تم تجربته بالفعل ولم ينجح، متسائلاً إذا انتهى الأمر بعودة أحمدي نجاد جديد في إيران ماذا سنفعل بعد ذلك؟