العالم
العقوبات الامريكية ضد إيران قد تضعف هيمنة واشنطن وتمنح الفرصة لروسيا والصين
– ليس هناك أدنى شك في أن إعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب الانسحاب ، على نحو أحادي، من الاتفاقية النووية مع إيران، وإعادة فرض عقوبات أمريكية على طهران، من شأنه أن يوجه صفعة قوية للاقتصاد الايراني على المدى القصير، على الاقل، ولكن هذه الخطوة تخاطر أيضا بإضعاف قبضة وهيمنة واشنطن على الساحة العالمية.
ويبدأ تطبيق الجولة الثانية من إعادة فرض العقوبات الامريكية على إيران في الرابع من تشرين ثان/نوفمبر المقبل، بعد ثلاثة أشهر من الجولة الاولى التي طُبِقت في شهر آب/أغسطس الماضي. وتستهدف الجولة الثانية القطاع النفطي، الذي يُقدر بنحو 50 % من عائدات الصادرات الايرانية.
وقرر ترامب إعادة فرض العقوبات رغم التزام إيران بالاتفاق النووي، المعروف رسميا بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة”، ولذلك يتوقع على نطاق واسع أن يؤدي قرار الرئيس الامريكي إلى مزيد من الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا التي تريد استمرار الاعمال التجارية مع طهران. كما أن العقوبات قد تمنح روسيا والصين فرصة ذهبية لتحدي الهيمنة الامريكية على النظام المالي العالمي.
وكان الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما ألغى عقوبات “ثانوية” على إيران في أعقاب توقيع الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الامن الدولي، بالاضافة إلى ألمانيا، في فيينا في تموز/يوليو عام .2015 وكانت هذه العقوبات تتعلق بحظر دخول الاجانب الذين لا يلتزمون بها إلى أسواق المال الامريكية.
وأعاد ترامب فرض العقوبات مجددا في إطار مساعيه لعزل طهران دوليا، وهو أمر من شأنه أن يسبب أضرارا بالغة لشركاء إيران التجاريين، من غير الامريكيين, فمن النادر أن يُجري امريكيون أعمالا تجارية مع إيران، حيث يواجهون مجموعة أخرى من القيود لم يرفعها أوباما.
وتقول إميلي هوثورن، الخبيرة بمركز الدراسات الاستراتيجية والامنية “ستراتفور” تعليقا على الاثار المتوقعة للعقوبات: ” هذا هو أحد أسباب عدم تضرر الاقتصاد الامريكي بشكل مباشر.”
وتضيف هوثورن أن الولايات المتحدة تعيد فرض مثل هذه العقوبات الثانوية، من جانب واحد، وسط تأييد محدود من جانب دول الخليج العربية وإسرائيل. وأوضحت أن الخطوة التي اتخذها أوباما بإلغاء العقوبات قد لاقت آنذاك تأييدا واسعا، حيث كان الرئيس السابق يهدف من وراء ذلك إلى إعادة إيران إلى طاولة المحادثات.
وكشفت الازمة الاخيرة التي تواجهها المملكة العربية السعودية عقب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، عن ضعف في سياسة ترامب في الاعتماد على مثل هذا التحالف الصغير.
وفي ظل حالة الغضب والاستياء التي ثارت عقب مقتل خاشقجي، ستسعى واشنطن جاهدة إلى التخلص من الاعتماد على تدفق النفط السعودي لضمان الحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية لدى توقف صادرات النفط الايراني.
وكان ترامب برر خطوة إعادة العقوبات، وشن حملة تتسم بـ “اقصى قدر من الضغوط” على إيران، بدعم طهران لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، وجماعة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وتقول الحكومة الامريكية إن إيران “نظام خارج على القانون”.
وحاولت إدارة أوباما الفصل بين المسألة النووية والقضايا الاخرى، وقالت إن الاولوية بالنسبة لها كانت أسلحة الدمار الشامل
ويقول مايكل سينج، المدير الاداري للمركز البحثي “معهد واشنطن”: “أوضحت إدارة ترامب أنها تريد اتفاقا (نوويا) أكثر شمولا وأنها مستعدة لتصعيد العقوبات حتى توافق إيران (على ذلك)”.
ويقول آريان طبطبائي، من مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية (راند) وهي مؤسسة غير ربحية لتطوير السياسات العامة وتحسين عملية اتخاذ القرار، إن أوروبا آخذة في القيام بدور ريادي أكبر على الساحة العالمية، ولكنها تقف عاجزة عندما يتعلق الامر بمواجهة الولايات المتحدة.
ويضيف: “رغم أن الاوروبيين يتوقون إلى تقويض العقوبات الامريكية على إيران للحفاظ على الاتفاق النووي، لاتزال قدرتهم محدودة على القيام بذلك على أرض الواقع”.
وعقب إعلان ترامب إعادة فرض العقوبات على طهران، أسرعت العديد من الشركات الاوروبية بالفرار من إيران، حيث أنها مرتبطة بقوة بالنظام المالي الامريكي. وكانت هذه الشركات تدفقت على الجمهورية الاسلامية عقب توقيع الاتفاق النووي.
والامر مختلف تماما بالنسبة لروسيا والصين، حيث يتوقع أن تواصل الدولتان تتبُع الفُرص الاستثمارية في إيران، وأن تحاولا البحث عن طرق فعالة للالتفاف على العقوبات الامريكية.
ويوضح سينج، الذي كان كبير مديري “مجلس الامن القومي” في إدارة الرئيس الامريكي الاسبق جورج دبليو بوش، أن الصين بصفة خاصة، لديها “حافز إضافي” لمقاومة الولايات المتحدة، في إشارة إلى الحرب التجارية الجارية بين واشنطن وبكين.
ويقول سينج: “إنهم (الصينيون) مهتمون ليس فقط بالتجارة مع إيران، ولكن أيضا بموقفهم تجاه الولايات المتحدة.”
وتهدف السياسة الامريكية إلى خفض انتاج إيران من النفط ليصل إلى نقطة الصفر، ولكن، ورغم تبقي أيام قليلة على موعد تطبيق العقوبات على قطاع الطاقة في إيران، لايزال الامر غامضا فيما يتعلق بكميات النفط التي تُصِدرها إيران، وسط مؤشرات بأن فرض حظر كلي على هذه الصادرات أمر مستبعد.
وتقول باربرا سالفين، مديرة “مبادرة مستقبل إيران” بمركز “اتلانتيك كاونسل” البحثي الامريكي: “في حال عدم تمكن الولايات المتحدة من حشد تأييد واسع للعقوبات على إيران، ستحاول فرض إرادتها بقوة.”
وتضيف سالفين: “تحاول الولايات المتحدة إجبار حلفائها على ابتلاع العقوبات.” وحذرت من أن هذا سيكون “مدمرا لمستقبل القيادة الامريكية. وسينقلب السحر على الساحر.”
وربما تحاول طهران تجاوز عهد ترامب، أملا في أنه لن يبقى في سدة الحكمة سوى فترة واحدة، وأن يخلفه رئيس آخر أكثر تعاطفا مع أسس نظام حظر انتشار الاسلحة النووية، كما أنها ستعول بقوة في نفس الوقت على دعم الصين وروسيا وتركيا.
وفي حال أخفقت طهران في ذلك، لن تتمكن إيران من مقاومة الضغوط الاقتصادية الضخمة، وبذلك قد ينتهي تماما أمر الاتفاق النووي، الذي ما زالت البلاد تتشبث به بقوة.
ويقول طبطبائي: “من شأن الانهيار المحتمل للاتفاق (النووي) أن يؤدي إلى إضعاف الجهود بشأن الحد ( من الاسلحة النووية)، وإلى وجود إيران أكثر إصرارا على تجاوز حدود القانون الدولي، بالاضافة إلى تداعيات محتملة على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية.” (د ب أ)