أقلام مختارة

إعادة فتح الحدود: سوريا وجيرانها يحاولون لمّ شتات تجارتهم

جيوفري أرونسون

جيوفري أرونسون

يقول أحد الأمثال الصينية القديمة “إذا كنت تريد أن تصبح ثريا، فعليك أن تبني طريقا”. تزدهر الدول عندما تتاجر عبر حدودها؛ هذا هو الدرس الذي تأخذه سوريا وجيرانها على محمل الجد.

بعد سنوات طويلة من الحرب التي أغلقت الطرق التجارية التقليدية في جميع أنحاء المنطقة، تحاول سوريا وجيرانها لم شتات أمرهم مرة أخرى من خلال إعادة تأهيل المراكز الحدودية المحتضرة والطرق، وإحياء شبكات النقل التي تغط في سبات عميق، وإرساء أساس الإحياء الاقتصادي عبر استئناف التصنيع والعلاقات التجارية عبر الحدود المعاد فتحها.

وشهد 28 سبتمبر “الانفتاح الأوّلي” لمعبر نصيب جابر الحدودي الذي يربط سوريا بالأردن. وقد عانت التجارة السورية من التدهور الشديد بسبب الحرب، حيث انخفضت المعاملات التجارية من 21.8 مليار دولار في عام 2007 إلى 8 مليارات دولار في عام 2017.

وبلغ حجم التجارة الثنائية مع الأردن في عام 2010، وهو العام الأخير من التشغيل العادي، 750 مليون دولار، وهو أحد الأصول الحيوية لكلا الدولتين اللتين تحاولان استعادة الطرق التجارية.

ويعتبر استئناف نشاط التجارة البرية عبر نصيب-جابر بمثابة عملية إحياء التجارة داخل سوريا، كما يؤدي فتح الحدود مع الأردن إلى تحقيق فوائد تفوق التجارة الثنائية. فالحرب أضعفت العلاقات التجارية التاريخية في جميع أنحاء المنطقة.

وفقدت سوريا سيطرتها على حدودها باستثناء لبنان، الذي له حدوده المشتركة الوحيدة فقط مع إسرائيل، التي أغلقت طويلاً أمام التجارة.

وفقدت تركيا الأسواق الخليجية الرئيسية التي كانت تخدمها في السابق طرق النقل عبر سوريا. وزاد غياب النقل البري من التكاليف التي جعلت التجارة مع العديد من الأسواق التقليدية غير قادرة على المنافسة.

وانتقلت الشركات السورية، التي يقع الكثير منها في قلب حلب التجاري والصناعي، إلى تركيا على أمل الحفاظ على العلاقات التجارية القائمة.

وسعت دول أخرى للاستيلاء على هذه التجارة، دون نجاح. وحاولت مصر التصدير إلى العراق والأسواق الخليجية عن طريق البحر، من خلال قناة السويس، لكن لم ينجح الأمر. ولاقت محاولة مماثلة نفس المصير لتصدير البضائع إلى الخليج العربي من خلال وصلة تركية – إسرائيلية – أردنية.

تضررت تجارة الصادرات الزراعية اللبنانية بشكل خاص بسبب إغلاق معبر نصيب جابر أمام أسواق الخليج المربحة. ورحب الرئيس اللبناني ميشال عون بالاتفاق الأردني السوري، مشيرا إلى أنه سيؤدي إلى “إحياء قطاع التصدير في لبنان وخفض تكلفة تصدير السلع اللبنانية إلى الدول العربية الأخرى”.

بدأت هذه التطورات في إحياء شركات التخليص العاملة على الحدود السورية الأردنية. ويستعد حوالي 5000 سائق شاحنة أردني ممن فقدوا وظائفهم بعد إغلاق الحدود للعودة إلى العمل مرة أخرى. كما يجب إنتاج السلع لملء تلك الشاحنات، مما يؤدي إلى توقعات بأن يبدأ الاقتصاد السوري بالانتقال من المعونات إلى اقتصاد السوق المعاد تشغيله، والذي يوظف مواطنيه لإنتاج السلع والخدمات، وبالتالي إعادة تأسيس التجارة والصناعة الإقليمية.

وقال ضيف الله أبوعقولة، رئيس الجمعية الأردنية لمالكي التخليص والنقل “لقد تلقينا العديد من المكالمات من التجار في الخليج ولبنان وسوريا حول موعد استئناف حركة الشحن، حيث إنهم حريصون على البدء في تصدير واستيراد السلع باستخدام الشاحنات، وهو أقل تكلفة بالنسبة لهم”.

إن استئناف التجارة عبر الحدود الأردنية السورية ليس بالحادثة المنفردة. حيث بالقرب من الحدود السورية مع العراق، أغلقت قاعدة عسكرية أميركية في التنف الطريق الرئيسي بين دمشق وبغداد، على الرغم من أن هناك معبرا أصغر في أبوكمال أبعد شرقًا غير مفتوح للتجارة.

وناقش وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، ووزير الخارجية السوري، وليد المعلم، تسريع إعادة فتح طريق أبوكمال متجاوزا الرابط الذي أغلقه الأميركيون. وقال الجعفري خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى دمشق “لا ينبغي لأحد أن يعزل سوريا”.

كما أن تأكيد إعادة الدمج التدريجي لسوريا مع جيرانها جاء من مصدر غير محتمل. وفي اليوم نفسه الذي افتُتح فيه معبر نصيب جابر، استُؤنفت عملية عبور نقطة مرتفعات الجولان التي كانت تديرها الأمم المتحدة لفترة طويلة في القنيطرة منذ عام 2014.

واقترحت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك على طول حدود الجولان خلال الحرب نهاية حقبة بعينها. ويعتبر تجديد العمليات التي كُلفت بها الأمم المتحدة على طول حدود وقف إطلاق النار، مثل استئناف التجارة عبر الحدود الأردنية، مؤشرا على إحياء سلطة النظام واعتراف جيرانه بأن دمشق هي المصدر الوحيد للسلطة في المناطق الحدودية المتنازع عليها رسميا.

*كاتب في العرب ويكلي

نقلاً عن العرب اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق