أقلام مختارة

الفرق بين الاحتجاج والإرهاب الفكري

داود كتّاب

داود كتّاب

من المعروف أن من أهم مسؤوليات المشرع في أي بلد، إلى جانب التشريع، هو الرقابة على أداء الحكومة، ولكن في بعض الأحيان يتجاوز موضوع الرقابة على الحكومة إلى التأثير والضغط غير المبرر على الحكومات لتنفيذ أمر ما أو منع تنفيذ قرار ما بناء على أفكار ومبادئ النائب.

وعندما يكون الأمر متعلقا من قريب أو بعيد بالأمور الدينية فإن النواب يصبحون أسودا في الدفاع عن الدين والعقيدة، وكأن أي نقاش ولو فلسفي يعتبر مساسا بالذات الإلهية ويجب منعه أو إيقافه بدون حتى معرفة التفاصيل والتأكد من البينات.

في الفترة الأخيرة ورغم إعلان دول معتدلة، مثل الأردن، ضرورة محاربة التطرف العنيف وأهمية الوسطية واحترام الرأي الآخر والتسامح الفكري والديني، يعتبر البعض، وخصوصا من هم في مواقع مؤثرة، أنفسهم منتدبين للدفاع عن الدين. لذلك، عندما يستشف هؤلاء من أن أي نقاش أو بند في مؤتمر ما يعارض فكرهم فإنهم يقومون بتضخيم الأمور والضغط على المسؤولين لإلغاء المؤتمر؛ ويحصل الأمر عينه مع الكتب والأفلام وغير ذلك.

كان من المفترض أن يعقد في الأردن مؤتمرا بدعوة من مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” وبالتعاون مع مركز مسارات للتنوير في الفترة ما بين 2 و4 تشرين الثاني/نوفمبر تحت عنوان “انسدادات المجتمع الإسلامي والسرديات الإسلامية الجديدة”، بمشاركة حوالي 50 مفكرة/ مفكرا أردنيين وعرب وأوروبيين، إلا أن وزير الداخلية الأردني قرر إلغاء المؤتمر، بعد شكوى من أحد النواب، وذلك على خلفية أن إحدى الجلسات في جدول الأعمال جاءت بمسمى “تاريخ الله”.

استمر الإرهاب الفكري، الذي بدأ مع الشكوى إلى وزارة الداخلية، في الأيام التالية لإلغاء المؤتمر إذ جرى الضغط على رابطة الكتاب الأردنيين لإلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان يفترض أن تعقده مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” في مقر الاتحاد للحديث عن إلغاء المؤتمر.

رغم أن بعض الأردنيين لام النائب الأردني على تقدمه بالشكوى، إلا أنني أعتبر أن الحكومة الأردنية لم تبد أي محاولة لصد الهجوم غير المبرر وغير المدعوم بحقائق، بل رضخت للضغوط الشعبوية.

علق الكاتب الأردني باسل رفايعة على حسابه في فيسبوك بالقول: “قرأت الحكومة المكتوب من عنوانه، وقررت أنه “يستفز الشعور الديني”، ولضعفها في القراءة والاستيعاب منعته مسبقا، وتجاوبت مع “أميّة ثقافية” يروجها التدين السياسي الشعبوي، ويستفيد منها في الانتخابات، والسوشال ميديا! “تاريخ الله” ومترادفات في بدايات الألوهة، وعناوين أخرى من الكتب موجودة في الأردن، وهي بحوث ودراسات في تاريخ المعرفة”.

واستغرب آخرون موقف عمر الرزاز، وهو رئيس وزراء متنور وجاء تعيينه إثر تظاهرات شبابية.

علق الأمين العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود” يوسف قنديل على الموضوع بالقول إن مؤسستهم ستستمر في “إيماننا اللامحدود بحريتنا جميعا في التفكير والتعبير وفي رفض أسلوب الترهيب والتحريض وإن مقياس عمق الإيمان يجب أن يكون رهينة بمديات المحبة وليس بالتعصب وكراهية الآخرين”.

وأضاف في بيان له أنه “كان بإمكانكم أن تحضروا المؤتمر، وأن تناقشوا بكل حرية، وأن تعبروا عن وجهة نظركم، بكل أريحية. كان بإمكاننا أن نمنحكم منابرنا لقول كل ما يلوح لخواطركم، لقد فعلنا ذلك من قبل، دون تهيب، وعن وعي بضرورة التساؤل والتساجل والجدل. وسنستمر في عملنا على رعاية التعدد وتأطير النقاشات، استجابة لما يليق بإيماننا اللامحدود بحريتنا جميعا، وبحقنا جميعا في التفكير والتعبير، لكن اختياركم المدروس لأسلوب الترهيب والتحريض، كما دأبتم عليه، بدلا من الحوار تحت مظلة “كلمة سواء”، يؤكد أن “الطيور التي تولد في قفص تعتقد أن الطيران جريمة”.

نحن في عصر المعلومة في القرن الواحد والعشرين، ولا شك أنه يجب أن نحتكم في قراراتنا للرأي المبني على المعلومة وعلى التيقن من الأمور وعلى الجدال الهادئ المبني على الاستماع وثم التعليق وليس على استباق الأمور وإقصاء الآخر على أساس عنوان حلقة أو على أساس انطباعات معينة.

لقد آن الأوان للوصول إلى عقد مجتمعي جديد يؤكد على حرية التعبير والرأي وضرورة إلغاء التابوهات والاستثناءات، فما لا يقال في المؤتمرات العلنية سيقال في الغرف الإلكترونية المغلقة؛ ومن المستحيل إطفاء ضوء المعلومة والحجة، والرد على الفكر يكون بالفكر وليس بالإرهاب والمنع والإقصاء.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق