د. عادل عبد الناصر
أصبحت المنطقة العربية وإفريقيا منطقة مُهددة بسبب الاستخدام غير السليم للمياه، حيث تجاوز عمليات سحب المياه الجوفية في بعض البلدان الكمية المتاحة طبيعيا، وعلى المدى البعيد، قد يكون لذلك عواقب وخيمة على نمو المنطقة واستقرارها، ولذلك فإن التوصل لحلول تُضيق الفجوة بين المتوفر والطلب على المياه هو من الأولويات العاجلة.
لقد أدى الصراع المسلح وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى زيادة الضغوط على موارد الأراضي والمياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك على البنية التحتية في المجتمعات التي تستقبل اللاجئين، ففي الأردن وحده، وفقا لوزارة المياه والري في المملكة، أدى تغير المناخ وأزمة اللاجئين إلى انخفاض توفّر المياه إلى 140 مترا مكعبا للشخص، وهو أقل كثيرا من الحد المعترف به عالميا لندرة المياه الشديدة.
نتجت هذه التطورات الحديثة عن عقود من النمو السكاني السريع، وتوسع المدن، والتكثيف الزراعي. ويشير تقرير صدر عن الجهات الدولية إلى أن أكثر من 60% من سكان المنطقة يتركزون في الأماكن المتضررة من الإجهاد المائي الشديد أو الشديد جدا، وذلك مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ حوالي 35%. كما يحذر التقرير من أن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ قد تسبب خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6%-14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 – وهي أعلى نسبة في العالم.
في الوقت الذي تبحث فيه الحكومات عن حلول، يمكن أن يتيح اتجاهان اثنان على وجه الخصوص فرصا لتغيير الأوضاع وتعزيز الأمن أولا.
بشرى الزراعة بالطاقة الشمسية
استعمالات الطاقة الشمسية في الري والزراعة، فعلى سبيل المثال، يتوقع المغرب تركيب أكثر من 100 ألف مضخة شمسية بحلول عام 2020. بالمثل، تنفذ مصر برنامجا للزراعة الصحراوية يشمل ري 630 ألف هكتار بتكنولوجيا الطاقة الشمسية، وتشرع بلدان أخرى في هذه المشاريع أيضا، مستفيدة من انخفاض تكاليف تكنولوجيا الطاقة الشمسية والإشعاع الشمسي العالي في المنطقة، وستحل هذه المبادرات محل مضخات الديزل الملوثة والمكلفة، وتوفر خيارا جديدا للمزارعين الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الطاقة، ويحفز خفض الدعم للوقود التقليدي للتحول إلى استخدام مصادر الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
تأمل الحكومات أن توفر تكنولوجيا الطاقة الشمسية وسيلة للمجتمعات الزراعية كي تقفز من الضعف المزمن نحو التكثيف المستدام والمرن للإنتاج. غير أن هذا الخيار ينطوي على الجانب السلبي الناجم عن عدم كفاية الفهم للمياه الجوفية وسوء تنظيمها.
أدت أوجه القصور هذه، عن طريق السماح بالاستغلال المفرط للمياه الجوفية، إلى هبوط منسوب المياه، مما يجعل الضخ من طبقات جوفية أعمق أكثر تكلفة، كما تسببت في مشاكل مثل ملوحة التربة. ويمكن أن يؤدي الري بالطاقة الشمسية إلى تفاقم الأمور من خلال السماح باستخراج المزيد من المياه الجوفية بتكلفة أقل، مما يؤثر على المجتمعات المحلية الضعيفة التي تعاني من ضعف فرص الحصول على الموارد المائية.
يمكن أن تساعد تقنيات الرقابة المبتكرة (مثل المضخات التي تعمل عن بعد وأجهزة قياس المياه الذكية) على مواجهة بعض التحديات. علاوة على ذلك، وكما يحدث بالفعل في الأردن، يمكن للخبراء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لمساعدة الحكومات في السيطرة على التوسع في الري القائم على المياه الجوفية.
ثانيا، استغلال المورد الوحيد وهذا في الطلب علي المياة العادمة، وهي المورد الوحيد الذي يزداد مع نمو المدن والسكان، وتُولد بلدان الشرق الاوسط 184 كيلو متر مكعب تقريبا من مياه الصرف في السنة.
ثمة العديد من التقنيات المتاحة لمعالجة وإعادة استخدام المياه المستعملة لأغراض إنتاجية، بما في ذلك رعاية الغابات، والزراعة، والأراضي الطبيعية، وإعادة تغذية المياه الجوفية. بيد أن اعتماد هذه الخيارات كان بطيئا حتى الآن بسبب اللوائح العنيدة، ووجود فجوة سياسات بين قطاعات الزراعة والصرف الصحي وغيرها من القطاعات. عندما تبدأ مشاريع إعادة الاستخدام، فإن عدم وجود تعريفة ملائمة وحوافز اقتصادية يقوض استدامتها، حيث يتعذر استرداد تكاليف معالجة المياه المستعملة، وتتمثل الاعتبارات الرئيسية للمضي قدما في اختيار المحاصيل الأنسب للري باستخدام المياه المعاد استخدامها والتدابير اللازمة لمعالجة الشواغل الصحية المحددة.
أمام منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال الجهود الرامية إلى التغلب على هذه الحواجز، وفي حال توفر المعالجة المناسبة، فإن مياه الصرف الصحي تستطيع توفير مياه الري والأسمدة لأكثر من مليوني هكتار من الأراضي الزراعية. ومن شأن ذلك أن يسهم في حفظ المياه العذبة، مما يتيح زيادتها في الاستخدام المنزلي ومجموعة واسعة من الأغراض الإنتاجية.
إن نجاح الأردن في تسخير الابتكار التقني والتمويل من القطاع الخاص لإعادة تدوير المياه العادمة يقدم حالة مفيدة بشكل خاص، ويمكن لهذه التقنيات، التي تعززها سياسات جديدة، أن تساعد المنطقة على تحقيق الأمن المائي. وسيتطلب ذلك التزاما على جميع مستويات المجتمع بمعالجة الحواجز الثقافية التي تعرقل التغيير في استخدام المياه، وتجاوز الانقسامات المؤسسية وتنقيح اللوائح شديدة الصرامة.
إن حلول مشكلة ندرة المياه ممكنة وذلك بتعجيل نظام التطوير والابتكار من أجل إدارة ناجحة لأزمة المياه، وعليه من الضروري إنشاء وعي مائي جديد بين المزارعين والمستهلكين من أجل التغلب على شح المياه.
في هذا السياق يشير تقرير دولي إلى الخلل في نسب استخدامات المياه في مصر، حيث يصل استهلاك مدن مصر من المياه إلى ما يعادل نصف جملة استهلاك القطر كله، وإلى وجود نحو ملياري متر مكعب من المياه المهدورة التي تصب في البحر، ويوضح بأن استهلاك الفرد في مصر من المياه بنحو 14 لتر يوميا، كما يوصي التقير بضرورة معالجة تلوث النيل من المخلفات الآدمية والصناعية.
من هنا نرى أن شح المياه في المنطقة العربية وإفريقيا قادم لا محالة لو لم تتخذ الاحتياطات الواجبة منذ الآن، ونذكر أن تركيا تبني سدودا كفيلة بخلق أزمات مائية حادة في سوريا والعراق، كما أن الكيان الصهيوني يسرق المياه منذ عقود دون رقيب أو حسيب.
نقرع ناقوس الخطر!