داود كتّاب
تابع العديد من المهتمين في أنحاء العالم الانتخابات الأميركية النصفية التي أجريت في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، على أمل الحصول على إشارة ما بخصوص مستقبل السياسات الأميركية خاصة الخارجية منها. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الاستنتاجات المهمة التي قد يكون لها أثر على سياسة أميركا الخارجية في المستقبل، إلا أن الانتخابات التشريعية وانتخاب حكام الولايات لا تؤثر بصورة مباشرة على السياسية الخارجية، التي يديرها البيت الأبيض.
لكن، لا بد من الإشارة إلى إمكانية أن يكون للانتخابات تأثير هذه المرة، خصوصا أن البعض قرأ فيها تراجعا لشعبية الرئيس دونالد ترامب. إذ يعتقد البعض في أميركا أن منصب ترامب قد يكون عرضة للاهتزاز، وأن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، قد تجبر الرئيس على تقديم بعض التنازلات، وقد يكون بعضها على علاقة بالسياسة الخارجية للبلاد.
بالإضافة إلى خسارة مجلس النواب بفارق ليس بقليل، فإن من أهم الرسائل التي وجهها الناخب الأميركي، هي باتجاه قضايا أساسية مثل الهجرة وحقوق النساء والموقف من المسلمين.
ففي موضوع شعبية الرئيس ترامب قال 55 في المئة من المصوتين، بحسب استفتاء لقناة ABC الأميركية، إنهم يعارضون سياسات ترامب في حين وافق عليها 44 في المئة. وفي موضوع الهجرة، أظهر الاستفتاء الذي أجري مع مشاركين في الانتخابات أن 23 في المئة منهم يرون الهجرة موضوعا مهما، في حين قال 41 في المئة إن موضوع الصحة والتأمين الصحي أكثر أهمية بالنسبة لهم.
ويؤيد 78 في المئة من المشاركين في الاستفتاء زيادة عدد النساء في المناصب العليا في المؤسسات الأميركية.
تلك الاستطلاعات، التي أجريت مع الناخبين بعد التصويت وتسمى بـ”exit polls” انعكست بطبيعة الحال في نتائج الانتخابات، حيث حققت النساء رقما قياسيا في عدد الفائزات؛ وفاز مرشحون من أصول مهاجرة. ولأول مرة في تاريخ مجلس النواب ستقسم نائبتان، هما رشيدة طليب من أصول فلسطينية وإلهان عمر من أصول صومالية على القرآن الكريم عند بدء جلسة مجلس النواب الـ 116 في الثالث من كانون الثاني/يناير عام 2019.
ورأى 48 في المئة من المستطلعين أن سياسة ترامب في موضوع الهجرة “قاسية للغاية” واعتبر 32 في المئة منهم أنها مناسبة.
قد تتصدر النائب عن ولاية ميتشغن رشيدة طليب، التي هاجر والديها من قرية بيت عور الفوقا في محافظة رام الله الفلسطينية، المعارضين لسياسة ترامب تجاه المهاجرين والنساء والمسلمين والفلسطينيين. وسيشاركها في المعارضة عدد لا بأس به من النواب الجدد من النساء والشباب وذوي الأصول الأفريقية والأسيوية والمكسيكية والفلبينية وغيرهم من النواب الديمقراطيين الرافضين لسياسة ترامب الخارجية.
لكن المعارضة لسياسة ترامب الخارجية لن تتعدى الأقوال والأحاديث الإعلامية إلا إذا ربط الديمقراطيون بعض تلك المطالب بتمرير الميزانية أو الموافقة على أي تشريع تريده إدارة ترامب.
هناك أمر آخر مهم في هذا المضمار، وهو مصير ترامب السياسي نتيجة الانتخابات والتي وفرت للحزب الديمقراطي رئاسة مجلس النواب، وهو الأمر الذي سيسمح لهم باستدعاء من يشاؤون للتحقيق معه في أي أمر ومنها أمور متعلقة بالفساد والتخابر مع روسيا وغير ذلك. وفي العادة تكون تلك الجلسات مفتوحة وعلنية وتبث على الهواء، الأمر الذي قد يحرج الرئيس ويزيد من إمكانية عزله وهو أمر يستطيع النواب البدء به ولكنه بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ الذي لا يزال بقبضة الجمهوريين. من الجدير ذكره أن المستطلعين بعد التصويت أبدوا معارضة لفكرة عزل ترامب بنسبة بلغت 55 في المئة في حين أيّد 45 في المئة الفكرة.
تعتبر الانتخابات مؤشرا مهما للمجتمعات، ولا شك أن الانتخابات النصفية الأميركية وفرت معلومات ونتائج سيتم دراستها والتمعن بها كثيرا واستخلاص العبر، قبل الجولة الجديدة من الانتخابات وهي الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تجري في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني في العام 2020.