السلايدر الرئيسيحقوق إنسان
الصم في غزة يتابعون الأحداث الدولية والمحلية ويحللونها بِلغة الإشارة
محمد عبد الرحمن
– غزة – من محمد عبد الرحمن – كسروا حاجز الصمت بالرغم من عدمِ قدرتهم على الكلام، استخدموا لغة الإشارة في فَهم وتحليل المواقف والتعبيرِ عنها، وكانت لهم آراؤهم السياسية؛ كأمهر المحلّلين السياسيينَ لكل ما يجري حولَهم.
كثيرًا ما نسمع شخصاً يصِف آخَرَ؛ عندَ عدَمِ عِلمهِ بما يجري حولَه بقولِة: “زي الأطرش في الزَفة”، لكن هل فعلاً هذا المَثل ينطبق في يومِنا هذا على فئةِ الصمّ، وهم يتابعونَ الأحداث المتلاحقةَ حولَهم؟ وهل حقاً يتمتع الصم بثقافة أو تجارب سياسية؟ وما هي وسائلهم لفهم ما يجري حولَهم من أحداث وتطورات، وكيف تمكنوا من فهم الواقع السياسي والمشاركة فيه؟ وكيف يمكِنهم التعبير عن تحليلِهم لمجرياتِ الأحداثِ؟ وهل تلك التحليلات واقعية كما يعبر عنها الأسوياء؟
“عمر ربيع” في العَقدِ الثالث من عمره، يتابع مستجدات الأحداث السياسية يومياً؛ من خلال النشرة الإخبارية التي تتضمن متحدثا بلغة الإشارة، عبر شاشة قناة فلسطين الفضائية؛ التي تتوافق مع آرائه السياسية, ومواقع الانترنت الإخباريةِ، ليبقَى على إطلاع دائمٍ بما تَؤول إليه الأوضاع المحلية والدولية, ويقول بلغة الإشارة: “أتابع باستمرار الأخبار، خاصة فيما يتعلق بالانقسامِ وحصارِ قطاعِ غزةَ وأوضاعِ الكهرباءِ فيها, لتكوينِ رأي سياسي خاص بي، دونَ الاعتمادِ على آراءِ الآخَرين”, مشيراً إلى أنه لا مجالَ لتطبيقِ المصالحةِ في الوقتِ الحالي بينَ حركتَي فتح وحماس.
وقد وصلَ الانقسام إلى “عمرَ “وشقيقه الأصم “سمير” اللذَين يدخلان في جدال سياسي عنيف؛ عندما تكون القضيةُ متعلقة بالانقسامِ، فكلاهما له توَجهاً سياسياً مختلفاً، حيث يؤيد الأول حركةَ فتح، فيما يؤيد الأخير حركةَ حماس, التي يرى أن حكومتَها في غزةَ؛ استطاعت أن تحققَ إنجازات سياسية غير مسبوقة، وأنها كسَرت الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقةِ
“سمير” الذي بدأَ يتابع المستجداتِ السياسية والميدانية مع بدايةِ انتفاضة الأقصى المباركة؛ من خلالِ متابعة النشرات الإخباريةِ، للاطلاع على تطورات الأحداث التي كانت مرتبطة بعملِه في المستوطناتِ, يؤكد أنه مازال يتابع أخبارَ العالَمِ عبرَ شاشتَي “أبو ظبي والعربية”، حيثُ يرى في الأخيرةِ أنها مِنبراً للمصداقيةِ والخبرِ الحرِ, وأنها تساعده على تشكيلِ رأي سياسي بعيدٍ عن الشوائب الإعلاميةِ.
ويقول سمير: “أكثر ما يجذِبني هو متابعة أخبار الانقسامِ والحصارِ الإسرائيلي على غزةَ، فأنا بانتظار أن يزول الحصار؛ لأعود إلى ممارسة عملي؛ بعدَ أن أصبحت عاطلاً عن العمل لِما يزيد عن ثمانية سنوات”.
وحولَ المصالحة الفلسطينية؛ فإن “سمير” يرى أنه لا مجال لتحقيقِها دونَ أن يثورَ الشعبُ الفلسطيني في شطري الوطن، لافتاً إلى أنه يتناقش مع أصدقائه الصم في القضايا السياسيةِ, ويشاركونَ في الفعاليات الشعبية.
وبإشاراتٍ غيرِ مفهومةٍ، أوضحت الشابة “هدى الديب” (27 عاماً)؛ أنها تتلهَف إلى متابعةِ المستجدات السياسية عبرَ بعضِ الفضائيات التي تقدم نشرات بلغة الإشارة, لأنها تجد فيها اهتماما من تلكَ الفضائيات بالصم وبثقافتِهم السياسية، وتقولُ: “أجِد نفسي محط اهتمام من تلكَ القنوات لنقل الحقيقة وتكوينِ رأيي السياسي, فأنا أتابع مستجدات الوضع المصري؛ لارتباطه الوثيق بما ستؤول إليه الأوضاع في قطاعِ غزة، والمصالحة الفلسطينية”.
ولا تخفي “الديب” شعورَها بالحسرة؛ لعدمِ تمكنها من المشاركةِ في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية, منتظرة بفارغ الصبر الانتخابات المقبلة؛ لتشارك بصوتها في صنع قرار سياسي مستقل ،واختيارِ من ينوب عن الشعبِ رسمياً.
بدَورِه يتابعُ “أمجد أبو حرب” (26 عاماً)؛ يومياً نشرةَ لغةِ الإشارةِعلى قناة الجزيرة الفضائية؛ لمعرفة آخر المستجداتِ على الساحتين الفلسطينية والعربية، وما سينتج عنها من مواقف تجاه القضية الفلسطينية، وهو يرَى وحسب متابعته السياسية أن الاتفاقات الموقعة بينَ حركتَي فتح وحماس؛ محكوم عليها بالفشل؛ نظرا لعدم جدية الأطراف بتحقيقِها.
ويقول “أُتابع الأحداث السياسيةَ لزيادة الوعي السياسي لدَي, فأنا كأي إنسان عادي بحاجة لتكوين رأي، وأن أكونَ صاحبَ اطلاعٍ على ما يحدث في العالَم”. مطالباً الرئيسَ الفلسطيني “محمود عباس” بمتابعةِ ملفِ الأسرَى, والعملِ على المستوى الدولي للإفراج عنهم, وإعطاءِ اهتمام أكبر لقضية اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم في ظل التقلصات الأونروا الأخيرة.
الأصمّ “حامد الباشا” (23 عاماً)؛ يكتفي بمواكبةِ الأحداثِ السياسية والميدانية من خلال جلسات الحوار السياسي؛ التي تدورُ في حلقاتِ السّمرِ الخاصة بالصم، وهو يشتكي من قِلّة القنوات الفضائية المهتمة بفئة الصم, موضحاً أن متابعتَه تقتصِرُ على ما ينقله له أصدقاؤه، وشغفه بمتابعة مبارياتِ فريقهِ المفضلِ “برشلونه” بالرغمِ من عدمِ مقدرتِهِ على الاندماجِ في جو المباراةِ، مطالباً القنوات الرياضية بأن يكونَ نقلُ المبارياتِ بِلغةِ الإشارةِ؛ مراعاة لفئة الصم”.
وعي سياسي
المختص بلغةِ الإشارةِ “سهيل أبو دياب” أكدَ أن الصم يتمتعونَ بوعي سياسي؛ من خلالِ متابعتِهم للأحداث السياسية والميدانية على حد سَواء, وأن ذلكَ الوعيَ مرتبطٌ بإمكانيةِ حصولِهم على المعلومةِ التي ترتبطُ بمَدى فَهمهم لِلُغةِ الإشارةِ، وقوةِ المترجِمِ في النشراتِ الإخباريةِ, وقدْرةِ البعضِ منهم على القراءةِ لمتابعةِ المواقعِ الالكترونيةِ.
ويوضح أن فَهمَ الصمّ للأخبارِ؛ يكون غيرَ مكتملٍ ،وذلك حسَبَ درجتِهم العلميةِ, حيث أنهم يتمتعونَ بوعي سياسي يمكّنهم من تكوينِ وِجهةِ نظرٍ سليمة، فيما يتعلق بالقضايا المجتمعيةِ والسياسيةِ, لافِتاً إلى وجودِ الرغبةِ القويةِ لدَى الصمِّ بمتابعةِ الأخبارِ، وتكوينِ رأي خاص بهِم.
يضيف “يعتمد الصم على الجانبِ البصري في مختلفِ مناحي حياتِهم، لذا يَستخدِم الكثير منهم المواقعَ الإخباريةَ، وصفحاتِ التواصلِ المجتمعي، والتلفازَ لِمتابعةِ الأحداثِ, كما أنّ أكثرَ ما يشد انتباهَهم هو الأحداث الميدانية في الوسَطِ المحيطِ بهِم”.
ويلفت إلى أن الوضعَ السياسي الخاص في قطاعِ غزةَ ؛وَجَّهَ مؤسساتِ الصم إلى تبني فكرةَ التوعيةِ السياسيةِ للمنتسبينَ إليها, مشيراً إلى أن المؤسساتِ تزوِد الصمَّ بالمستجداتِ؛ من خلالِ جلساتِ الحوار والنقاشِ الفرديةِ والجماعيةِ؛ وِفقَ ما يثيرُ اهتمامَ الصم من أحداثٍ, “فالمؤسّسات لا يمكن لها أنْ تنأَى بنفسِها عن تثقيفِهم سياسياً” وِفقَ قولِه.