خالد القشطيني
«القانون حمار» من الأمثال الإنجليزية التي تعبّر عن معاناة الجمهور من مفارقات القضاء والقانون. وهي كلمة صحيحة رغم ما تضمنته من إهانة للحمير. فالقوانين لا تصدر حتى يلمس الجميع مفارقاتها وتناقضاتها، فيبادر المشرع إلى إصدار تعديل لها سرعان ما يكشف عن مفارقات جديدة فيَصدرُ تعديل للتعديل، ثم الذيل للتعديل وذيل للذيل. ومع ذلك يبقى القانون حماراً.
هناك مما صُدِّر في العراق في الثلاثينات قانون حصر المهن في العراقيين. أُثير موضوع البغاء عندما كان مشروعاً ومنظماً حسب القانون. فبموجب القانون لا يجوز لأجنبية أن تمارس البغاء، مما يعني أنه كان شيئاً محصوراً في العراقيات. وعلى بائعة الهوى أن تثبت أولاً أنها عراقية لتمارس هذه المهنة. وكان على المرأة الأجنبية أن تثبت أنه لا توجد امرأة عراقية تحل محلها. وكان ذلك أمراً صعباً. بالطبع انحلت المشكلة بمنع البغاء على الجميع عام 1955.
لمست مثل ذلك في لندن مؤخراً. فبعد تدفق اللاجئين على بريطانيا وحصولهم على حق اللجوء، وبالتالي مخصصات المعيشة والسكن وكل شيء، عمد البعض منهم إلى زيادة الدخل بالشحاذة. كانت هناك امرأتان ألبانيتان مسلمتان اعتادتا على التسول قرب محطة هولبورن. اعتدت على إعطائهما ما كان في جيبي من الفكة.
بيد أن ردة فعل حدثت ضد هذا التسول الشحاذي. قالوا نحن نعطيهم ما يكفي لعيش محترم. فلماذا يشحذون ويعطون انطباعاً بأن بريطانيا تُجوِّع اللاجئين إليها؟ هذا عيب فظيع. ولما كان القانون يمنع التسول، فقد صدرت للشرطة تعليمات باعتقال أي أجنبي يشحذ في الشارع. وهكذا أصبح علينا الآن أن ندفع الصدقات للشحاذين الإنجليز فقط. الغريب أن أحداً من الصحافيين ودعاة حقوق الإنسان لم يُثِر أي ضجة ضد هذا التمييز العنصري في مهنة الشحاذة.
وهكذا أصبح عليّ أن أجد نفسي مضطراً كل يوم لتفريغ ما في جيبي من فكة نحاسية لشحاذة أنغلو – سكسونية أصيلة تجلس مقابل محطة هولبورن. أكد لي بعض الزملاء أن هذه الفتاة من المدمنات على المخدرات وتشحذ لتشتري بما تكسب كمية كافية من الكوكايين، شأن معظم الشحاذات والشحاذين الإنجليز. وهكذا وجدت نفسي بدلاً من أن أعطي الصدقات لمسلمات قانتات صالحات ليطعمن أطفالهن، أصبحت أعطيها لفتيات ساقطات مدمنات ليشترين مادة ممنوعة. ولكنّ هذا ما قيل: القانون حمار.
ولعلّ قارئاً يسألني الآن: كيف سيميّز بين شحاذ ألباني وشحاذ بريطاني عند زيارته إلى لندن؟ الجواب أنك ستجد الشحاذ الألباني يقول: «صدقة لله»، أما الشحاذ الإنجليزي فستسمعه يقول: «أي نحاسيات رجاءً». فمن مميزات الشحاذة في الغرب أن أكثر الشحاذين علمانيون ويفضلون الفكة النحاسية الحمراء، ويستعطون بأساليب المخابرات، بصيغة الاستجواب: «عندك أي مسكوكات فكة في جيبك؟»، وإذا لم تدفع، فربما سيكون سؤاله الثاني: «هل دفعت ضريبة الدخل عنها؟».
الشرق الأوسط