أوروبا
فيرونا… مدينة روميو وجولييت تتحول إلى مركز لليمين الديني في إيطاليا
– في مسرحية “روميو وجولييت” لعملاق الأدب الإنجليزي ويليام شكسبير كانت “فيرونا الجميلة” هي المكان الذي شهد واحدة من أروع قصص الحب، وأكثرها مأساوية.
ولكن هذه الأيام، وضعت البلدة الغنية في شمال شرق إيطاليا، والبالغ عدد سكانها 250 ألف نسمة، نفسها في طليعة حملة دينية مناهضة للإجهاض، لها آثارها في السياسة الوطنية.
وفي تشرين أول/أكتوبر الماضي، أصبحت فيرونا أول مدينة إيطالية تعلن نفسها “مدينة داعمة للحياة” وتعهدت بدعم مالي للمشاريع المناهضة للإجهاض بتمويل من الكنيسة الكاثوليكية المحلية وكيانات خاصة.
ووافق المجس المحلي على المقترح الذي رعاه “حزب الرابطة” اليميني المتشدد، وذلك في تصويت تسبب في حالة من الإرباك للتحالفات السياسية.
وقد صوت الزعيم المحلي للحزب الديمقراطي المعارض، والمنتمي إلى تيار الوسط، لصالح المقترح، بينما عارضه حزب “حركة خمس نجوم” المناهض للمؤسسية وحليف حزب الرابطة في الحكومة الائتلافية في إيطاليا.
وكتب ماتيا فانتيناتا، وهو من فيرونا وعضو بالبرلمان الوطني عن حركة “خمس نجوم” على حسابه على موقع “فيسبوك” :”يبدو أنهم في فيرونا قد عادوا إلى العصور الوسطى”.
ومع تمرير المقترح، نظمت حركة نسائية محلية احتجاجا ارتدى المشاركون خلاله عباءات حمراء وأغطية رأس بيضاء داخل قاعة البلدة، وهو الاحتجاج الذي حظي بتغطية إعلامية قوية على المستوى الوطني.
وأصابت صور 20 سيدة يرتدين نفس ملابس شخصيات المسلسل التليفزيوني (حكاية أمَة) The Handsmaid’s Tale، والتي تصور مستقبلا يتم فيه التقليل من شأن النساء إلى درجة تصويرهن كعبيد يحملن الأطفال، وترا حساسا لدى المتابعين.
وقالت فاليريا، وهي عضوة في حركة “نون أونا ديمينو” رفضت ذكر بقية اسمها، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن “الصدى الذي حققناه من الاحتجاج كان أكثر مما توقعنا”.
ووفقا لأعضاء الحركة، تمضي فيرونا في طريقها لتتحول إلى “الكاثوليكية الأصولية” التي تهدف في نهاية المطاف إلى إلغاء الإصلاحات التي تم إدخالها على الحقوق المدنية على مدار الأربعين عاما الماضية.
كما يرون أيضا أنه من المثير للقلق أن الاعضاء اليمينيين في المجالس المحلية لمدن إيطالية أخرى، بينها روما وميلانو وفيرارا، قدموا مقترحات لقرارات مماثلة بشأن الإجهاض.
كما قفزت الجماعات الكاثوليكية المتشددة والمناهضة للإجهاض على الأحداث في فيرونا، وأشادت بها باعتبارها إشارة على أن الأمور تمضي في صالحهم.
وإحدى هذه الجماعات هي “كريستوس ريكس-تراديتيو”، وهي جماعة في فيرونا لها صلة بالحزب الفاشي الجديد “فورزا نوفا”، وتشن حملات مناهضة للهجرة وأخرى تطالب بالعودة إلى العائلة “التقليدية”.
تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا، الدولة الكاثوليكية المحافظة اجتماعيا، قننت الإجهاض والطلاق خلال سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تقنن زواج المثليين قبل نحو عامين ونصف فقط.
ولا تزال الكنيسة الكاثوليكية تتمتع بنفوذ كبير، وفي أجزاء كثيرة من البلاد، وخاصة في الجنوب، يرفض أطباء المستشفيات العامة إجراء عمليات الإجهاض، لأسباب دينية.
ومن هذا المنطلق، لم يمر تشبيه بابا الفاتيكان فرنسيس الأول مؤخرا للإجهاض بـ”استئجار قاتل محترف لحل مشكلة” مرور الكرام في مكان مثل فيرونا.
فوفقا للصحفية المحلية “جيوليا سيفيرو”، فإن المدينة هي دوما منطلق طبيعي للسياسات المتشددة، نظرا لصلاتها اليمينية التاريخية.
ففي عام 1943، اختار موسوليني فيرونا لإعادة تأسيس حزبه الفاشي بعد أن أعادته ألمانيا النازية زعيما لدولة دُمية، لم تستمر طويلا، حكمت شمال إيطاليا حتى عام .1945
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت المدينة بؤرة للجماعات الإرهابية اليمينية المتطرفة، بما في ذلك حركة “لودفيج” للنازيين الجدد، ونادي كرة القدم المحلي “هيلاس” المعروف بجماهيره المتعاطفة مع الفاشيين.
ورغم ذلك، يرفض فيديريكو سبوارينا عمدة فيرونا ما يتردد بشأن أن بلدته غير متسامحة، أو أن إدارته تحاول تشويه النساء اللائي يلجأن للإجهاض.
وقال سبوارينا في مقابلة بمكتبه الذي يشرف على ساحة فيرونا الشهيرة، :”إذا كان هذا تصورك، فإنك على خطأ”.
وأضاف :”نريد مساعدة الأمهات على اتخاذ القرار الصائب بشأن ما إذا كن يردن أن يكون لديهن رضيع من عدمه. أتحدى أي شخص أن يقول إنه سيكون أكثر سعادة لرؤية شخص يجرى عملية إجهاض وليس ولادة”.
وينتظر سبوارينا، الذي يصف نفسه بأنه كاثوليكي يميني، قدوم طفلة ثانية من زوجته. وقال :”لا أستطيع أن أتخيل أن أحرم الطفل الذي لم يولد بعد من حقه في أن يولد”.
ويصر العمدة وحلفاؤه على أنهم لم يفعلوا شيئا من شأنه أن يشكك في القوانين الوطنية للإجهاض، بل يتحدثون فقط عن أنهم أعطوا السلطات المحلية السلطة لتقديم المشورة المناهضة للإجهاض.
وعلى أي حال، ترى جيوسيبينا بواتنج أن السياسة لا علاقة لها بالقرارات الواقعية الخاصة بالأمومة. وبواتنج أخصائية اجتماعية بأحد مراكز مناهضة الإجهاض التي تتلقى تمويلا حكوميا.
وعادة ما تكون النساء اللاتي يأتين إليها يشعرن بالوحدة أو لديهن مشاكل خاصة بالعلاقات الاسرية. إلا أنها تصر على أن دورها ليس رشوتهن لتغيير قرار الإجهاض. وتقول :”الأمر ليس كأن نقول لهن /هنا، نقدم لكِ ألف يورو مقابل الاحتفاظ بالطفل./ يجب أن تكون النساء ممن يرغبن في أن يصبحن أمهات، لا يمكننا إجبارهن على ذلك”. (د ب أ)