شرق أوسط

خاشقجي من دوائر الحكم السعودي الى الانتقاد العلني

– تحوّل رجل التناقضات، الصحافي السعودي جمال خاشقجي، من مقرّب من دوائر الحكم في الرياض إلى أحد أبرز المنتقدين لسياساتها قبل أن يُقتل في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر.

وفي آخر مقالاته في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، طالب خاشقجي، صاحب السيرة المهنية الطويلة المعقّدة والمتقلّبة، بحرية أكبر للإعلام العربي في منطقة الشرق الاوسط.

وكتب في المقال الذي نشرته الصحيفة بعد أسبوعين من مقتله أنّ “العالم العربي يواجه نسخته الخاصة من +الستار الحديدي+ المفروضة عليه ليس فقط من لاعبين خارجيين، ولكن أيضا عبر قوى داخلية تواقة للسلطة”.

وأضاف “علينا أن نخلق منصّة للأصوات العربية”.

وفي 2017 انتقل خاشقجي، الذي اختفى بعد دخوله قنصلية المملكة في اسطنبول، للعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة بعدما اختلف مع ولي العهد الواسع النفوذ الأمير محمد بن سلمان.

ولفّ الغموض حيثيات اختفاء الصحافي في البداية وأثار أزمة دولية بالنسبة لكل من الرياض وواشنطن مع اتهام المسؤولين الأتراك الرياض بتنفيذ عملية قتل بأوامر رسمية.

وبعدما أصرت الرياض أن خاشقجي غادر قنصليتها حيّا، قالت بعد أكثر من أسبوعين من ذلك إنه قتل في شجار و”اشتباك بالأيدي” نشب عقب خلاف وقع بينه وبين أشخاص التقاهم هناك.

وبعد ثلاثة أسابيع، أشارت معلومات قدمتها تركيا إلى أن النائب العام السعودي أقر بأن الجريمة كانت معدّة مسبقا.

والخميس، أكدّت النيابة العامة السعودية أن الصحافي حُقن “بجرعة كبيرة” من مادة مخدرة قبل أن يتم تقطيع جثتّه في قنصلية المملكة في اسطنبول وطلبت الإعدام لخمسة أشخاص على خلفية القضية.

بن لادن وجماعة الاخوان

وينتمي خاشقجي الى عائلة سعودية مرموقة من أصول تركية. وكان جدّه محمّد خاشقجي طبيبا شخصيا للملك الراحل عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة. كما أن قريبه هو تاجر الأسلحة الراحل عدنان خاشقجي.

وتأرجحت صفات خاشقجي بين “صديق” لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في شبابه تارة، ومستشارا للأسرة السعودية الحاكمة تارة أخرة، قبل أن ينظر إليه على أنه ليبرالي منتقد للنظام السعودي ومتعاطف مع الإخوان المسلمين.

تخرّج من جامعة ولاية إنديانا الأمريكية في العام 1982، وبدأ يعمل في صحف يومية بينها “سعودي غازيت” و”الشرق الأوسط”.

وأُرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحاً رشاشاً ومرتدياً زيّاً أفغانياً. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفاً مع قضية المقاتلين في الحرب ابان الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي والتي موّلها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”.

لكنّه ابتعد لاحقا عن بن لادن في التسعينات بعدما أصبح الأخير يدعو الى أعمال عنف في الغرب.

وعرف عنه انجذابه لأدبيات الإخوان المسلمين الساعية للتخلص من مخلفات الاستعمار الغربي في العالم العربي.

 تقدّمي أكثر من اللزوم 

ولد خاشقجي في المدينة المنورة في 13 تشرين الاول/اكتوبر 1958، وأمضى سنوات شبابه وهو يدرس الأفكار الإسلامية، معتنقاً في الوقت ذاته أفكاراً ليبرالية.

لكن السلطات السعودية اعتبرته تقدّميا أكثر من اللزوم، فاضطر إلى مغادرة منصبه كرئيس تحرير في صحيفة “الوطن” اليومية في العام 2003 بعد 54 يوماً فقط من بدء عمله.

وأقام خاشقجي علاقات غامضة مع السلطات السعودية، فتولّى مناصب استشارية في الرياض وواشنطن، بينها لصالح الأمير تركي الفيصل الذي أدار الاستخبارات السعودية لأكثر من 20 عاماً.

وعندما عُيّن الأمير تركي الفيصل سفيراً في واشنطن في 2005، رافقه خاشقجي إلى الولايات المتحدة.

وفي العام 2007، عاد خاشقجي إلى صحيفة “الوطن” وأمضى فيها ثلاث سنوات قبل أن يضطّر مجدداً للمغادرة بعدما اعتبرت السلطات أنّ أسلوبه التحريري “يتجاوز الحدود” المرسومة للنقاش في المجتمع السعودي، بحسب موقعه على الإنترنت.

وتقرّب خاشقجي من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وأطلقا معاً في المنامة عام 2015 قناة “العرب” الإخبارية التي توقفت عن العمل بعد 24 ساعة فقط اثر بثها مقابلة مع شخصية معارضة.

 اعتقالات وانتقادات

وترك خاشقجي السعودية في أيلول/سبتمبر 2017 بعد أشهر من تولّي الأمير محمد بن سلمان (33 عاما) منصب ولي العهد.

وفي حينه، أوقفته جريدة “الحياة” اليومية المملوكة من الأمير السعودي خالد بن سلطان آل سعود عن الكتابة فيها، بعد أن دافع في مقال عن جماعة الإخوان المسلمين.

وذكر الصحافي الراحل أنّ السلطات منعته كذلك من استخدام حسابه الخاص في تويتر بعدما قال إنّ على المملكة أن تخشى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وغادر خاشقجي المملكة في خضمّ موجة الاعتقالات التي شملت مثقفين ودعاة إسلاميين وأمراء بينهم الوليد بن طلال الذي أوقف مع آخرين على خلفيّة تتهم تتعلّق بالفساد، وفقاً للسلطات.

وأعرب عن معارضته لمقاطعة قطر من قبل السعودية وحلفائها وانتقد الحرب في اليمن التي أشرف عليها الأمير محمد بن سلمان عندما كان وزيرا للدفاع حيث تقود المملكة تحالفا عسكريا يقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من ايران.

وعلى صعيد آخر، كان الصحافي السعودي كتب في صحيفة “غارديان” البريطانية في آذار/مارس الماضي “يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الاصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح (…) بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها”.

وتابع “يبدو أنه ينقل البلاد من التطرّف الديني التاريخي، الى تطرّفه القائل +عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي+”.

وقام خاشقجي بزيارته المشؤومة إلى القنصلية في اسطنبول بهدف الحصول على الأوراق اللازمة لإتمام زواجه من خطيبته التركية خديجة جنكيز. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق