جويس كرم
يحمل بيان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول دعم السعودية وعدم توجيه أصابع الاتهام لقيادتها في مقتل الكاتب جمال خاشقجي، رهان مباشر ومستمر على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي قد يلتقيه الرئيس الأميركي في الأرجنتين بعد عشرة أيام.
في الوقت نفسه، يسيطر انقسام عميق في الموقف الأميركي حول السعودية، تتضح مؤشراته داخل الإدارة الأميركية، وفي الكونغرس، وبشكل أكبر ضمن الرأي العام الأميركي. هذا الانقسام، هو التحدي الأكبر أمام المملكة في محاولتها تخطي أزمة خاشقجي وإعادة التوازن لعلاقة مع الولايات المتحدة أبعد من رئاسة ترامب.
انعكس الانقسام داخل الإدارة في تصريحات متضاربة وتسريبات متناقضة من واشنطن حول قضية خاشقجي. فالخميس قال مستشار الأمن القومي جون بولتون إن التسجيل الصوتي الذي تملكه تركيا لا يورط ولي الأمير محمد بن سلمان، لتعود الاستخبارات الأميركية وتقول الجمعة إنها مقتنعة بأن ولي العهد السعودي أعطى أمر اغتيال خاشقجي، قبل أن يختلف معها ترامب ويقول إن لا نتائج حاسمة حول دوره. وبين التصريحات والتسريبات تستقيل رئيسة مكتب الخليج في البيت الأبيض كيرستن فونتنروز يوم الأحد.
الارتباك الأميركي الرسمي حول السعودية هو نتيجة انقسام سياسي سبق مقتل خاشقجي. فللاستخبارات الأميركية تحفظاتها على ولي العهد منذ فترة، بسبب علاقتها الطويلة مع سلفه الأمير محمد بن نايف، وتفضيلها السياسات التقليدية للمملكة. أما وزارتي الخارجية والدفاع فدافعا عن المصالح الاستراتيجية والتعاون الأمني والدفاعي من دون الذهاب إلى المستوى الذي ذهب به ترامب في بيانه. وبدا الحرج على وزير الخارجية مايك بومبيو خلال إيجازه الصحافي الثلاثاء الذي لم يتخط الثماني دقائق وارتبك فيه الوزير بتبنيه دفاع ترامب.
يعتبر مستشار الأمن القومي جون بولتون الأقرب لموقف ترامب حول السعودية، فيما تبدو الاستخبارات الأبعد والوزراء التقليديون في الوسط. إنما التحدي الأكبر أمام الرياض يبقى في وجود ترامب وفي غيابه. إذ أن شعبية الرئيس المتهاوية والتي دفعت الجمهوريين لخسارة حوالي 40 مقعدا في مجلس النواب في الانتخابات النصفية، قد ترتد عكسيا على السعودية. فاحتضان ترامب العلني لولي العهد وربط العلاقة الأميركية ـ السعودية بالعلاقة الشخصية بينهما، يضعها في مهب الانقسام الأميركي الداخلي.
فدعم ترامب للرياض لن يكفي اليوم لإسكات الكونغرس، الذي يلوح بعقوبات وأسئلة وتشريعات لوقف مبيعات الأسلحة، وذلك على لسان نواب بارزين في الحزبين. ولذلك، وفي ظل حرب اليمن واعتقال الناشطات فإن الاستياء الأميركي الشعبي أبعد من قضية خاشقجي وعلاجه يتطلب استراتيجية أبعد من مخاطبة ترامب.
السعودية بحاجة لمخاطبة معارضيها في الداخل الأميركي قبل المصفقين لها، لتقديم أجوبة صريحة عن اعتقالات لنشطاء في الداخل وعن خوض حرب من دون أفق سياسي حتى الآن في اليمن. هي أيضا بحاجة للقيام بنقلة نوعية تخاطب الداخل والخارج والقيام بإصلاحات قضائية وسياسية واستخباراتية وفصل بين السلطات وضمان حد أدنى من الشفافية يمنع تكرار مأساة خاشقجي.هناك أيضا ضرورة للتواصل مع الحزبين ومع الرأي العام الأميركي ونخبة شبابية تصوت وتشارك في العملية السياسية بنسب غير مسبوقة.
الولايات المتحدة ليست بصدد الاستغناء عن السعودية ولا هي تدرس إزاحة الأمير محمد. القضيتان أكبر وأبعد من قدرة واشنطن ونفوذها داخل المملكة. الأزمة اليوم وحتى بعد تضميد ترامب للجرح، هي في تحول السعودية إلى قضية تثير الانقسام في الإدارة والكونغرس وبين الرأي العام. هذه يؤذي مصالح البلدين وغير مسبوق في هذا المستوى بالعلاقة بينهما. قد يساعد ترشيح الجنرال السابق جون أبي زيد سفيرا أميركيا للمملكة، بعد عامين على فراغ المقعد، في تضييق الشرخ مع النخبة السياسية إلا أن الرأي العام هو الأهم.
مخاطبة الأميركيين هي حاجة ملحة للرياض لرأب الصدع بعد مقتل خاشقجي. فالارتباط الوثيق بترامب والتراشق الإعلامي لا يفيد في إصلاح الخلل وهناك ضرورة لاستراتيجية بعيدة المدى قبل أن تتحول الأزمة إلى نقطة مفصلية تباعد بين مصالح البلدين.
الحرة