أقلام يورابيا

إضراب تونس: أبعد من زيادة أجور بكثير

ليلى العياري

ليلى العياري

تشهد تونس حدثا مفصليا، وما في أعماق الحدث يحمل معنى اكبر من ظاهر الحدث نفسه، وهو الإضراب العام الذي أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الاضراب الأول من نوعه في تاريخ تونس المستقلة من ناحية نوعية المطالب، فالمطلب اليوم هو زيادة الأجور، وهو ما يختلف تماما عن إضراب عام 1978 والذي شمل جميع القطاعات حينها وكان هدفه الدفاع عن استقلالية الاتحاد.

الاتحاد العام التونسي للشغل مؤسسة عريقة وعميقة في الدولة التونسية، ومهما كانت الاختلافات معها فهي مؤسسة تعكس كثيرا من نبض الشارع وتترجمه عبر الإضراب كصرخة تتجاوز فكرة زيادة الأجور، إلى نداء ينادي الجميع حول واقع الحال في تونس مع حكومتها البعيدة عن نبض الشارع والمشغولة بنسج مؤامراتها المصلحية لصالح تنظيم غريب عن تونس والتونسيين.

اليوم تونس في حالة اضراب تام، اليوم انتفض المواطن  الذي لم يعد قادرا على العيش براتبه، وكلنا يعلم ان تونس تمر بظروف اقتصادية صعبة بل تجاوزت المعقول في صعوبتها ومشقتها على الناس، وقد يبرز أحدهم ليقول( وهل الاضراب سيحل المشكل المتازم اقتصاديا) والجواب : طبعا لا! و لكن عندما تعجز الحكومة عن الزيادة في الاجور بينما توفر المليارات كتعويض للتنظيم الإخواني ورموزه فهنا يصبح الاضراب اضراب كرامة و استرداد حقوق.

اليوم استجاب الشعب للنداء المبطن والمكتوم  لرئيس الجمهورية، فتحرك الجميع على اختلاف مستوياتهم، و هذا بالضرورة يتطلب من رئيس الجمهورية ان يكون في مستوى تطلعات الجموع الغفيرة من المواطنين الذين امتلأت بهم ساحة باردو، فهم ينتظرون وقفة تعيد للدولة هيبتها و للمواطن كرامته و حقه في عيش كريم .

إضراب الإتحاد العام التونسي للشغل  اليوم هو لاجل تحسين  المقدرة الشرائية لأفراد الشعب في ظاهره و لكن في باطنه يحمل عدة رسائل أهمها لفت نظر باتجاه الحكومة التي تتجاهل مطالب شعبها و تتمسك بالمسؤولية فقط لاجل البقاء بدون برامج اصلاحية ، وبلا شك، فإن هذه التحركات الإجتماعية للمنظمة ستستمر خلال الفترة القادمة في مواجهة رئيس  حكومة قرر بقرار يشبه نزق المراهقين في السياسة أن يواجه الإضراب الشعبي والحي، بقرار هزيل مفاده تعطيل المؤسسات التربوية، وتلك مهزلة تضاف إلى ملف مهازل الحكومة الحالية، والتي لم تنجز شيئا إلا رفع الضرائب لغايات التحصيل الجبائي فتنفق على ما لا يعلمه أحد من مشاريع سياسية سرية، ولا يضيق العيش إلا على المواطن، هذا المواطن الذي قتلت طموحاته فتوجه الشباب منهم نحو الهجرة هروبا من وطن يصفعه ويقتل أحلامه.

الإضراب أيضا صرخة تونسية واضحة تعبر عن رفض تام  لإملاءات صندوق النقد الدولي وضغوطاته التي تتلقاها الحكومة وتنفذها بلا وازع ضمير وطني.

الجميع مسؤول عن الوضع ولا أحد بإمكانه التملّص من المسؤولية. الحكومات المتعاقبة منذ التغيير  الى اليوم مسؤولة بدرجة أولى لعجزها على إيقاف النزيف و بحث و ايجاد  الحلول الكفيلة بإيقاف التدهور .

قد نختلف مع الاتحاد، و  ننتقده، لكنه بالنهاية، هو خيمة البسطاء و الكادحين و الطبقة المتوسطة في تونس و هو صرح عظيم و ارث كبير خلفه الزعيم البطل فرحات حشاد وهناك فرق شاسع بين  من ترعرع  في رحم هذا الوطن حاملا همومه و هموم  الطبقته الكادحة، و بين من جاؤوا  إلينا من خلف البحار  مبشرين  بفكر إخواني هدام غريب و اثقلوا كاهلنا بصرف التعويضات لابنائهم من خارجين عن القانون في العهد السابق  ومرجعيتهم الفكرية قائمة فقط على كيفية هدم الدولة المدنية في تونس عند اول فرصة في الحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق