ـ ديالى ـ من سعيد عبدالله ـ رغم ظروف النزوح الصعبة ومعاناته مع الإعاقة، الا أن الفنان العراقي محمد هاشم لم يترك ممارسة فن المصغرات (الديوراما) فهو يقضي غالبية ساعات يومه في صناعة هذه المجسمات معتمدا على المخلفات البلاستيكية والحديدية، ليعيد لها الحياة على شكل مجسمات متنوعة تروي قصص الحياة في ظل استمرار الحروب.
والديوراما معرض صغير يعرض أشكالاً مجسمة أمام خلفية مدهونة أو مجسمة تتصاغر المجسمات باتجاه خلفية المعرض، وتختلط مع الخلفية بمهارة كبيرة بحيث يبدو المشهد كأنه حقيقي، وتستخدم الديورامات لإبراز الوقائع التاريخية، والطرق الصناعية، والحيوانات، والنباتات في بيئاتها الطبيعية، وهي من الفنون الموجودة منذ القدم.
اضطر محمد هاشم ذو 41 عاما الذي يبلغ درجة عجزه نحو 75 في المائة بسبب اصابته بشلل الأطفال في طفولته وتعرضه لحادث سير عام 2012، الى النزوح من ناحية السعدية التابعة لقضاء خانقين شمال شرق بغداد بعد سيطرة داعش عليها عام 2014، وبدأت مرحلة جديدة من حياته في ظل المخيمات بعد أن توفي والداه، حيث يعيش وحيدا في ظل خيمته منذ ذلك الوقت.
يقول محمد لـ””: “اخترت فن الديوراما لأعبر عن حقبة مرت بها البلد في ظل الحروب، فأنا أستخدم هذا الفن لتوثيق المأساة التي شهدناها، لذلك المجسمات التي أصنعها غالبيتها تمثل العرابات العسكرية التي تجوب البلد، وتجسد المشاهد التي وقعت وتقع على أرض الواقع خصوصا منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن”.
بدأ هاشم بممارسة الديوراما لأول مرة عام 1993، حيث كان يصنع لعبا للأطفال في ظل الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق لغزوه دولة الكويت عام 1990، لكنه بعد فترة من العمل ترك هذا الفن لسنوات وعاد لممارستها مع بدء مرحلة النزوح والعيش في المخيمات، وتابع هاشم “مازال النزوح يؤثر على حياتي لأنني أعيش في المخيم منذ نحو خمس سنوات وحيدا وليس لدي سوى هذا الفن والقراءة وبعض الأصدقاء الذين يساندونني ويوفرون لي الاجواء التي اعيش فيها، أستعين بفني لمواجهة صعوبة الحياة وتحدياتها”، لافتا الى أنه يضطر وبسبب ظروفه الصعبة الى بيع القطع التي يصنعها بأسعار زهيدة لتوفير لقمة العيش.
يحصل هاشم على المواد الأولية التي يستخدمها في صناعة المجسمات المصغرة من ورش تبديل زيوت محركات السيارات، حيث يستخدم عبوات الزيوت الفارغة المصنوعة من التنك (الصفيح) كمادة رئيسية في صناعة المجسمات التي خصص لها قسما من خيمته. ورغم استمراره في الديوراما لكنه لم ينظم سوى معرضين في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، وأوضح “خلال السنوات الماضية التي سبقت النزوح حصلت على لقب مهندس ديالى الأول في التصميم، لكن بسبب النزوح لم أتمكن خلال السنوات الخمس الماضية من تنظيم أو المشاركة في أي معرض”، مشيرا الى أن نقص المواد الأولية يمثل العائق الأكبر أمامه، داعيا الحكومة العراقية والجهات الدولية المهتمة بالفن الى مد يد العون للفنانين العراقيين داخل المخيمات.
لم يتوقف هاشم عند ممارسة فنه في المخيم بل يواصل يوميا تدريس أطفال المخيم الذي يجتمعون حوله لمشاهدة عملية صناعة المجسمات التي يقضي يوميا عدة ساعات بممارستها، واختتم هاشم حديثه بالقول “لا تنتهي الحياة بفقداننا لجزء من أجسامنا أو أحد الأعزاء على قلوبنا، لذلك علينا التواصل والتقدم والسعي من أجل النهوض بواقعنا كأشخاص والسعي من أجل الرقي، فرغم الظروف يبقى شرف التحدي اسمى واعظم”.