ألبرتو م. فرنانديز
هل لدى الولايات المتحدة أي شيء ذا معنى لتقوله لجمهور الشرق الأوسط الناطق بالعربية؟ الجواب الواضح لهذا السؤال هو “نعم بالطبع.”، لكن البعض أخبرني أنه في عصر الرئيس ترامب، سيكون جواب هذا السؤال هو “لا”.
بصفتي موظفاً في وزارة الخارجية الأميركية حيث خدمتُ لأكثر من ثلاثة عقود في مجال الدبلوماسية العامة، فقد سمعت الانطباع نفسه على مدى تعاقب الإدارات الأميركية المختلفة بدءاً من ريغان ووصولاً إلى أوباما، يزعم الرافضون أن أمريكا دولة بغيضة ومعزولة للغاية، غير مضمونة أبداً وذات سياسات مسمومة، لذا تلقائياً يتم رفض أي شيء وكل شيء مندرج تحت مسمى أو تصنيف أمريكي.
بناءً على خبرتي، يمكنني القول بأن الواقع أكثر ضبابية وتعقيداً، فجمهور الناطقين بالعربية جمهور معقّد (مثل الجمهور المحلي في الولايات المتحدة)، ودوافعهم ومخاوفهم متعددة الأوجه، أوباما الذي ألقى خطاباً كبيراً في القاهرة عام 2009 أصبح فيما بعد أوباما المشؤوم في نظر السياسة في سوريا منذ عام 2013 حتى نهاية فترة رئاسته، بعض القضايا التي تحرك الكثير من الأمريكيين على الرئيس ترامب مهمة لجماهير الشرق الأوسط وبعضها الآخر ليس كذلك، مثلاً لقد قوبل الهجوم الجوي الذي وقع في نيسان 2017 على القوات الجوية للنظام السوري، والذي استهزأ به البعض في أمريكا، بكثير من الاستحسان من قبل الكثيرين في الشرق الأوسط حيث اعتبروها ضربة عادلة طال انتظارها ضد إفلات الأسد من العقاب.
كانت الكثير من هذه القضايا حاضرة في ذهني عندما قبلتُ عرض الوكالة الأمريكية لوسائل الإعلام العالميةUSAGM) ) في رئاسة شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) في تمّوز 2017، والتي تُنتج جميع وسائل الإعلام باللغة العربية الممولة من قبل الحكومة الأميركية (USG)، بما في ذلك تلفزيون الحرة، وراديو سوا، والعديد من منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة.
كنت قد سمعت الشكاوى على مر السنين، بما فيها شكواي الخاصة، اشتكى البعض من أن محتوى قناة الحرة كان مملاً، قال لي آخرون إن صورتنا على التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي تبدو “ضعيفة ومتخلفة فنياً” مقارنةً بقناة RT العربية على سبيل المثال، وأشار آخرون إلى أن شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) غالباً ما بدت متأخرة في نقل الأخبار العاجلة أو الأحداث الإقليمية، ربما لأنه كان مقر هذه الشبكات في الولايات المتحدة، بالنسبة للبعض، كان هناك القليل من التميز فيما تم عرضه وكان لدى المحطات الأخرى المزيد من الأخبار، ولدى الشبكات المتاحة باللغة العربية مثل NatGeo وDiscovery أفلام وثائقية أكثر جاذبية.
من المؤكد أن أي محاولة لتحويل مركز البث إلى العالم العربي يجب أن تستند على الشعور بالتواضع تجاه المهمة المطروحة، والاعتراف بأن المنطقة مشبعة بخيارات وسائل الإعلام، بالطبع تعرض هذه الوسائل في معظمها خطابات كل من الأنظمة الحاكمة ومختلف أنواع الإسلام السياسي المتنازع عليه الذي يلوح في الأفق، وأكثر من أي شيء آخر، فإن أعلى الأصوات في المنطقة هي أصوات الاستبدادين في الداخل والذين تدعمهم بعض الدول أمثال روسيا وإيران وتركيا، لقد فشلت قناة الحرة، التي تعد واحدة من أقدم شبكات الإعلام العربية، في مواكبة المتسابقين الجدد في معظم أنحاء المنطقة.
بدأنا من خلال صياغة خطة لتحويل شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) لمعالجة التحديات التقنية والجمالية الفنية الأساسية التي ذكرها الكثيرون، وتمكنا في بيئة الميزانية المحدودة من معالجة مسألة المنطقة الزمنية من خلال بناء استوديو جديد في دبي.
أعطتنا مضاعفة كمية الأخبار إلى 12 ساعة في اليوم المرونة اللازمة لتغطية الأحداث في المنطقة وفي الولايات المتحدة مع قدر أكبر من الحرية، أعطى الموظفون المعينون حديثاً والموظفون المعززون داخلياً حيويةً جديدة لبذل قصارى الجهد في خطة التحول منذ تأسيس شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) في عام 2003، وقد بلغت كل هذه التغييرات ذروتها في 4 تشرين الثاني عام 2018.
كانت هذه إصلاحات واضحة وكان لدى شبكات البث الأميركية تفويض بنقل القصة الكاملة عن أمريكا، سواء عن الحكومة أو عن الشعب، سواء كانت جيدة أو سيئة، وهي أيضاُ مكلفة بإعطاء صوت لمن لا صوت لهم، ليكون بمثابة مساحة للمعتقدات والأفكار التي غالبا ما يتم قمعها في أجزاء معينة من العالم.
وكجزء من ذلك التغيير أصبحت الصورة أكثر وضوحاً وظهر الموقف العدائي لجمع الأخبار، أصبحت مساحة قناة الحرة على الإنترنت ملجأً جديداً نابضاً بالحياة للرأي الحر، حيث تضم حوالي 30 كاتباً للأعمدة الرقمية من المنطقة والولايات المتحدة، يعربون من خلالها عن وجهات نظرهم دون رقابة أو “خطوط حمراء” سياسية.
في عام 2018، كانت برامج قضايا الساعة الجديدة التي تضم المفكرين والناشطين العرب: صموئيل تادرس، عمار عبد الحميد، إبراهيم العيسى، جومانا حداد، وإسلام بحيري، محاولةً لتشجيع التغيير والانفتاح، لم يكن التغيير الطَموح جداً المندرج تحت تسميات كبيرة مثل “الديمقراطية” أو “الليبرالية” أو “الإصلاح” هو الهدف، بل كان التقدم الأكثر تواضعاً في التفكير النقدي والاستفسار الحر والخطاب المنطقي.
سلسلة قادمة تتضمن قصصاً عن سبب فرار مهاجري الشرق الأوسط من المنطقة وما وجدوه في أمريكا، ونظرة جديدة للتاريخ الأمريكي ستوفر رؤى أكثر غنى وأكثر حيادية حول التجربة الأمريكية للجمهور الناطق بالعربية، على أقل تقدير، نريد أن نقدم للمشاهدين خياراً وليس مجرد صدى.
الهدف هو منح الجمهور العربي صوتاً أمريكياً، مستنيراً وشجاعاً وذو فكر إصلاحي، ما هو الرد حتى الآن على هذه التجربة؟ إذا حكمنا من خلال رد فعل الأعداء، فقد لفتنا انتباههم بالتأكيد، حيث أن قناة الأخبار، التي تعتبر قريبة من حزب الله اللبناني، كانت الأولى، في آب 2017، حيث انتقدت في تقريرها قناة الحرة بشكل لاذع واتهمتها أنها “خبيثة وخطيرة”.
وقد غطى ذلك التقرير وسائل الحملات الدعائية المعادية للشيعة الممولة من قِبل السلفيين والوسائل التي تنطوي على مشاكل مماثلة والتي يسيطر عليها حزب الله وإيران، بعد شهر من ذلك، تابعت “الأخبار” هجوماً على عمود رأي في ذكرى ميلاد ثيودور هرتزل بحلول أيلول 2018، كانت “الأخبار” تتكهن بأن إعادة إطلاق قناة “الحرة” سوف يكون مزيجاً من “الجنس و (مكافحة) التطرف!”
جاءت الموجة التالية من النقد من قبل مصدر غير متوقع ألا وهو وسائل الإعلام المصرية الخاضعة لرقابة شديدة والحليفة للولايات المتحدة، وذلك من خلال عشرات المقالات والتقارير التلفزيونية بدءاً من تشرين الثاني 2017 إلى آب 2018 مهاجمين فيها قناة الحرة تحت مختلف المسميات: أداة للإسلاميين، ضد المسلمين، إسرائيل، البنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية.. في حين أنه في جميع هذه الحالات، ربما كان الموظفون السابقون الساخطون قد لعبوا دوراً فيها، فإن موجة الهجمات المخططة هذه بدت متعلقة بشكل أقل بعمل محدد وإنما تشهير مؤسساتي عام ضد وسيلة إعلامية مستقلة خارج سيطرة الحكومة.
في حين كان وكلاء إيران في لبنان منتقدين مبكرين، انضم إليهم وكلاء إيران في العراق عام 2018 مستخدمين لغة مشابهة جداً، كان أحد الأسباب الظاهرة هو تقرير تحقيق حول الفساد الذي تسببت فيه الميليشيات والأحزاب الإيرانية الخاضعة للسيطرة في مدينة البصرة العراقية المضطربة، وكانت التهمة أن تلفزيون “الحرة العراق” تحول من كونه “مستقلاً” إلى كونه معادياً لإيران، وكما هو الحال في لبنان، كان الادعاء هو أن شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) أصبحت تمثل خطاً قوياً ضد “محور المقاومة” (المصطلح المستخدم للإشارة إلى حزب الله، حماس، سوريا الأسد، إلخ، وإيران بالطبع).
بالطبع، لم تكن جميع التغطية الإعلامية العربية لتحول شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) في عام 2018 سلبية، كانت هناك تغطية إيجابية أو مباشرة في بعض أهم القنوات السائدة، ولكن من حيث الحجم الهائل، شهد تشرين الأول والثاني من عام 2018 المزيد من المحتوى السلبي الخارج عن الحشد الودي “لمحور المقاومة”، انضم إليهم في هجماتهم في تشرين الثاني عام 2018 العديد من وسائل الإعلام القطرية الصديقة لجماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك هجوم من قبل أحد معجبي أسامة بن لادن بالكتابة لصحيفة القدس العربي اليومية، تم توجيه تهمة إضافية هي أن وسيلة إعلام أميركية تعرض تغطيه حرجة لإيران أو الإرهابيين ولكن ليس لخدمة مصالح الولايات المتحدة وإنما مصالح خصوم قطر في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالطبع كان ذلك أمراً غريباً ولكنه مفهوم في ظل الاستقطاب العميق في المنطقة اليوم.
وبالطبع، فإن الاختبار الأهم لنجاح تحول شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) لن يكون هجمات خصوم أمريكا في المنطقة، ولكن الاستجابة بمرور الوقت من قبل الجماهير العربية المتشككة التي تبحث عن شيء مختلف. هذه الجماهير التي اعتادت أن يتم التلاعب بها، الجماهير الفطنة والمطالبة بحقها، لن تقبل بشيء أقلَّ من إعلام – أياً كان مصدره- يكون نزيهاً للغاية، ومهنياً من الناحية الفنية، ومقنع، إعلام يتطلع ويتحدث بصدق إلى الاهتمامات الحقيقية لقلوب هذه الجماهير. هذا هو التحدي كان ومازال منذ اليوم الأول لنا.
* ألبرتو م. فرنانديز هو رئيس شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN).
مصدر المقال: مركز دراسات الاعلام الشرق اوسطي / واشنطن.