شرق أوسط
وفاة جورج بوش الاب توقظ ذكرى “الحصار” لدى العراقيين
ـ بغداد ـ يعتبر عدد من العراقيين ان المصير “التعيس” لبلادهم ارتبط بعائلة الرئيسين الامريكيين جورج بوش الاب والابن منذ 27 عاما مع غزو الكويت وما اعقبها من “حصار” ما زال يثقل كاهلها، انتهاء باجتياحها للقضاء على نظام صدام حسين.
في آب/أغسطس 1990 وبعد غزو القوات العراقية للكويت، تولى جوج بوش الأب قيادة تحالف دولي لتحرير الكويت في شباط/فبراير 1991، بعد حرب خاطفة أطلق عليها اسم “عاصفة الصحراء” التي استمرت ست أسابيع.
لم تنته تلك الحرب بتوقف العمليات العسكرية، بل تبعها حصار دولي مطبق زاد من قساوة الظروف التي كان يعانيها العراقيون ابان حكم صدام حسين.
يقول الكاتب شامل عبد القادر (60 عاما) إن “صورة جورج بوش الأب تتمازج في الذهن العراقي، قبل العام 1990 وبعده”.
ويضيف لوكالة فرانس برس وهو يحتسي الشاي في أحد المقاهي الشعبية بوسط بغداد إن بوش الأب “كان يتمتع بثقة القيادة العراقية إلى حين القرار الطائش الذي اتخذه صدام حسين بغزو الكويت. وهنا انقلبت الصورة، وبدأ العراقيون ينظرون إليه على أنه مجرم ومعتدي”.
ويتابع “هذا الرجل هو أبو الحصار، اعتصر الشعب العراقي”.
“نأكل التراب”
في تلك الحرب التي تسمى بحرب الخليج الثانية، تضاعفت معاناة العراقيين الذين كانوا قد خرجوا للتو من حرب امتدت ثماني سنوات مع إيران (1980-1988).
وطوال 12 عاما، وإلى حين غزو القوات الأمريكية للعراق في العام 2003 بقيادة جورج بوش الإبن، كان العراقيون، الذين عاشوا ازدهارا لسنوات في المنطقة، شاهدين على تدهور دراماتيكي لوضعهم المعيشي،مع بطاقات تموينية، ورواتب مزرية.
ابان السبعينيات، شهد العراق تطوراً ونمواً كبيرين، إذ تضاعف الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات، بل وأقدم على توظيف عرب وأجانب، بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي العراقي أحمد صبيح لفرانس برس.
لكن سنوات الحرب اثرت كثيرا ببلاد الرافدين، و”تراجع دخل الفرد من 1500 دولار شهريا، إلى أقل من مئة دولار”، وفق صبيح.
ولم يدفع الثمن إلا الشعب العراقي حسبما قال جمال العتابي (70 عاما) لفرانس برس.
يقول هذا الكاتب والصحافي الذي اغرورقت عيناه بالدموع إن “قدر العراقيين التعيس، أن خراب هذا البلد وتدمير بناه التحتية ارتبط بعائلة بوش”.
ويضيف “هل يحتاج المجرم إلى توصيفات؟ لا نذكر منه إلا القتل والألم والحزن والتجويع وتدمير البنى التحتية. كان العراقيون أيام الحصار يأكلون التراب بسببه”.
يوافقه محمد الشيخ (52 عاما) الرأي، وهو الذي شارك كجندي في حرب الخليج الثانية.
يشير الشيخ وهو رياضي سابق إلى أن “هذا الرجل أذى العراقيين في التسعينيات. حصار جائر. كنا نأكل حنطة الحمير في الحصار. قصف المدارس والمستشفيات. حتى محطات الكهرباء ضربها، لم يبق لنا شيئا”.
“كي تموت السمكة”
في بغداد، يبدو جليا أن العراقيين عاشوا حروبا عدة لدرجة أنها أفقدتهم الرغبة في تذكرها، ويعكف كثيرون عن الحديث عنها علنا، منهم ضابط عراقي شارك في غزو الكويت، وطلب عدم كشف هويته.
يقول هذا العسكري الذي كان على خط التماس في الجنوب، وتلقى أوامر مفاجئة بالانسحاب في 27 شباط/فبراير 1991، “نذكر جورج بوش الأب على أنه مجرم. صحيح أنه أعلن وقف إطلاق النار في الحرب آنذاك، لكنه أعلنه مجبرا لا بطلا. انسحبنا لكن طائرته ظلت تقصفنا. لن تجد عراقيا اليوم يترحم عليه”.
لا يزال العراق يدفع حتى اليوم جزءا من عائداته النفطية، مصدر الدخل الوحيد للبلاد، إلى الكويت كتعويضات عن الحرب.
وقد دفعت بغداد بالفعل 47,9 مليار دولار لنحو 1,5 مليون متضرر، وهي تعويضات حددتها الأمم المتحدة.
وفي السياق ذاته، على بغداد أن تدفع 52,4 مليار دولار بدل الأضرار التي لحقت بالكويت بين آب/أغسطس 1990 وشباط/فبراير 1991.
يقول العتابي “لا زلت أتذكر حين قال جورج بوش الأب بعد انتهاء حرب الكويت، حينما سئل عن مصير البلد، فقال +نحن نجفف المياه كي تموت السمكة+ وتجفيف المياه يعني موت العراقيين”.
وبعد كل ذلك “أرسل لنا ابنه البار ليحتل البلاد، ويعيث فيها الفوضى التي ما نزال نعيشها حتى اليوم”. (أ ف ب)