السلايدر الرئيسيتحقيقات
الأزمات الطائفيّة تكشف هويّة “المرشِد” لاستغلال الثروات النفطيّة والغازيّة في لبنان!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ على رغم أنّ هشاشة تركيبة النظام السياسيّ اللبنانيّ غالبًا ما كانت تجعل البلد بأكمله معرَّضًا للتأثُّر مباشَرةً بشتّى أنواع التقلُّبات المناخيّة ذات الصلة بمزاجيّةِ مدِّ وجَزْرِ التجاذبات الدوليّة والإقليميّة الرائجة تقليديًّا منذ زمانٍ بعيدٍ في إطار لعبة التنافس على المصالح والنفوذ في مختلف أنحاء العالم، فإنّ التطوُّرات اللافتة التي استجدَّت على مسار الأوضاع الداخليّة خلال السنوات الثلاث الماضية وحدها، بدءًا من مفاعيل ومردودات توافُق الدول الكبرى ومقاولي مشاريعها الإقليميّين على تحييد الساحة اللبنانيّة عن مخاطر الاحتراق بلهيب صراعات المنطقة، مرورًا برمزيّة ودلالات انتخاب الجنرال القويّ ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، وانتهاءً بوهَج وعنفوان نجاح المؤسّسة العسكريّة في دحْر الفصائل الإرهابيّة إلى ما وراء الحدود السوريّة، كان من المقدَّر لها أن تُجسِّد في الواقع حالةً صحّيّةً بامتيازٍ تدلُّ إلى بدء مرحلة تعافي لبنان من أمراض الهشاشة المزمِنة، جرعةً بعدَ جرعةٍ، لولا إرهاصات التداعيات الناجمة تِباعًا عمّا نشهده في هذه الأيّام من نوايا مبيَّتةٍ عند معظم الأفرقاء المحلّيّين لافتعال الأزمة تلو الأخرى بين بعضهم البعض، وطنيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا وعشائريًّا، وهي النوايا التي باتت تُنذِر على إيقاع الاسترسال الممنهَج في التمسُّك بنمط غوغائيّتها المفرِطة، سواءٌ عن سابقِ عزمٍ وتصميمٍ أم عن جهلٍ وقُصرِ نظرٍ، بأنّ كلّ ما أُشيع حتّى الأمس القريب عن وجود التوافُق الدوليّ – الإقليميّ الآنف الذكر لم يكن أكثرَ أو أقلَّ من محاولةِ تخديرٍ موضِعيٍّ مؤقَّتٍ للبنانيّين في انتظار حلول ساعة الصفر لما يُتوقَّع أن يندرِج قريبًا في سياق الآتي الأعظم.
ولعلّ مجرَّد النظر بالعين المجرَّدة، وبتجرُّدٍ تامٍّ، إلى كافّة المسارات الأفقيّة والعاموديّة المتزامِنة في هذه الأثناء لتشكيل المشهد السياسيّ والعسكريّ والأمنيّ والاقتصاديّ العامّ الذي يتبلور في البلد يومًا بعدَ يومٍ، لا بدَّ من أن يكون كافيًا لكي يدفع الرائي في اتّجاه التوصُّل على الفور إلى قناعةٍ مؤدّاها أنّ تجلّيات هذه المسارات المتشابِكة، وإنْ كانت تبدو في مجملها مستقِلَّةً أو مختلِفةً تمامًا عن تجلّيات أيِّ مسارٍ إقليميٍّ آخَر، ولكنّ تركيباتها في الوقت الراهن هي أشبه ما تكون إلى “قِطَع ليغو” يتمُّ تحضيرها لربطها معًا في المستقبل داخل ميدانِ معركةٍ تُفتَح أبوابه أمام عددٍ من اللاعبين الكبار للتدخُّل فيه بذرائعَ مختلفةٍ، بحيث تتمثَّل القِطعة الأهمّ في مغزى استمرار التسليح الإيرانيّ العلنيّ لـ “حزب الله” بالتزامُن مع استمرار رفض الدولة اللبنانيّة لمبدأ تلقّي أيِّ سلاحٍ غيرِ أميركيٍّ على حساب الهِبات الروسيّة المقرَّرة، بينما تتجلّى القِطع الأخرى على خلفيّة المحاولات الرامية إلى اختلاقِ بؤرٍ للخلافات الداخليّة بين رعايا كلِّ طائفةٍ من الطوائف اللبنانيّة على حدةٍ، بدءًا من افتعال “العُقدة السُنّيّة” التي ما زالت تحول دون الإعلان عن تشكيلة الحكومة العتيدة في ظلّ إصرار “حزب الله” على عدم تسليم أسماء وزرائه الثلاثة للرئيس المكلَّف سعد الحريري إذا لم يتعهَّد بتوزير أحد النوّاب السُنّة السِتّة المحسوبين على “قوى 8 آذار”، مرورًا بدقِّ الإسفين تلو الآخر في الأوساط المسيحيّة بغية التشكيك بجدوى مصالحاتهم التاريخيّة الأخيرة، وانتهاءً بالمواقف الهجوميّة لرئيس “حزب التوحيد العربيّ” الوزير السابق وئام وهاب التي لا تزال تداعياتها الوطنيّة والطائفيّة والمذهبيّة مفتوحةً على كلّ الاحتمالات الخطيرة، الأمر الذي يعني في المحصِّلة النهائيّة أنّنا نقف للتوّ أمام ساحةٍ لبنانيّةٍ مفكَّكةٍ من الاستحالة التامّة أن تكون قادرةً على حشْدِ أيِّ إجماعٍ وطنيٍّ شاملٍ لاحتواءِ مفاعيل أيِّ اعتداءٍ خارجيٍّ عليها، اللهمّ إلّا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الفريق المتماسِك الوحيد في موازاة السُنّة المنقسِمين، والدروز المنقسِمين، والمسيحيّين الذين يحاولون لملمة انقساماتهم، هو الفريق الشيعيّ المؤلَّف من جناحيْن يُكملان بعضهما البعض، أحدهما سياسيٌّ يمثِّله رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، والآخَر عسكريٌّ يمثِّله الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصر الله.
على هذا الأساس، يُصبح في الإمكان فكّ شيفرة اللغز الذي أطلقَه وئام وهاب عندما قال الأسبوع المنصرم إنّ “الحلّ مع السيّد”، ولا سيّما أنّ مواقفه الهجوميّة والمبتذَلة الأخيرة ضدَّ شخصِ الرئيس الحريري ومكانةِ عائلته المحترَمة، وإنْ كانت ردود الأفعال الغاضبة عليها في أوساط أنصار “تيّار المستقبل” قد بلغَت حدًّا كاد يؤدّي إلى سفك الكثير من الدماء، ولكنّها أظهرَت في نهاية المطاف أنّها مواقفُ فتنويّةٌ بامتيازٍ، وأنّ الغرض منها كان يتركَّز في الأساس على محاولة جرِّ أولئك الأنصار إلى الوقوع في فخِّ الإقدام على اتّخاذ إجراءاتٍ أكثرَ غضبًا، بما من شأنه أن يؤدّي في الموازاة إلى تحميل رئيس الوزراء المكلَّف المسؤوليّة عن قيادةِ تيّارٍ خارجٍ عن القانون، وذلك تماشيًا مع أجنداتِ الفريق المتماسِك الآنف الذكر الذي أصبح في حُكم المؤكَّد أنّه هو الذي لا يزال مصرًّا على وضع المطبِّ تلو الآخَر في طريق إتمام التشكيلة الحكوميّة المرجوَّة، خدمةً لمصالحِ محورٍ إيرانيٍّ – سوريٍّ يحظى بغطاءٍ روسيٍّ، على حسابِ محورٍ سعوديٍّ – إسرائيليٍّ يحظى بغطاءٍ أميركيٍّ، حتّى ولو أنّ الجانبيْن الروسيّ والأميركيّ لا يزالان يلتزمان الصمت في انتظار اتّخاذ موقفهما من الوضع اللبنانيّ في القريب العاجل.
هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ لصبِّ الزيت فوق نار المواقِد الطائفيّة والمذهبيّة المشتعِلة، ولكنّ الغرض من ورائه يتمثَّل في وجوب التنويه بأنّ الأمور إذا ما قُدِّر لتعقيداتها المفتعَلة أن تستمرّ على هذا المنحى التصاعُديّ، فإنّ مفتاح كلمة السرّ لفكِّ شيفرةِ لغزِ “الحلّ مع السيّد” سيبقى مرميًّا اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر في حقولٍ نفطيّةٍ وغازيّةٍ سائبةٍ على طول الساحل اللبنانيّ وعرضه، وهي الحقول التي لا يختلف اثنان في هذه الأثناء على أنّ كلًّا من الإيرانيّين والسعوديّين يبذلون قصارى الجهد للسيطرة عليها بأدواتهم الداخليّة الخاصّة… وحسبي أنّ الغلَبة هنا، شئنا أم أبيْنا، ستكون لمن قاتَل وحرَّر واستشهَد ولا يزال يملك السلاح، الأمر الذي سيُحدِّد في المحصِّلة النهائيّة أيَّ طائفةٍ من الطوائف اللبنانيّة باتت مؤهَّلةً بالفعل لكي تلعب دور “الحامي” لمكامِن الثروات النفطيّة والغازيّة و”المرشِد” لاستغلالها في لبنان… والخير دائمًا من وراء القصد.