في كتابه «تغريب العالم»، كتب الباحث الفرنسي سيرج لاتوش: «إن رجال الأعمال في القارات المختلفة يضبطون مواقيت ساعاتهم على توقيت نيويورك، بوصفها المركز التجاري العالمي الأول»، لكن لو قدر لهذا الباحث أن يصف ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001 لقال: «إن العالم كله، لا رجال الأعمال وحدهم، قد ضبط إيقاع ساعاته على نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001».
ليس بوسع أي مخرج من المولعين بحكايات الخيال العلمي، تصور حكاية مشابهة للهجوم الأرهابي الذي جرى في نيويورك في ذلك اليوم، فمهما كان هذا المخرج ثري المخيلة لن يبلغ حد تصور ما حدث فعلاً، أو ما هو قريباً منه، فالذي جرى فاق المخيلة.
وأكثر الأمور مدعاة للدهشة، هو أن الناس في العالم كله الذين كانوا يتابعون مشدوهين ومندهشين الدخان المتصاعد من أحد برجي مركز التجارة العالمي، الذي تعرض للاصطدام أولاً، غير متيقنين مما يرون، شاهدوا بأم أعينهم في اللحظة ذاتها طائرة أخرى وهي تصطدم بعنف بالبرج الثاني وتشعل فيه النيران، قبل أن يروا البرجين ينهاران الواحد تلو الآخر.
كان كل شيء على الشاشة، في بث مباشر على الهواء دقيقة بدقيقة، وثانية بثانية. ما حدث لم يترك للسينما ما يمكن أن تفعله أو تضيفه لو أنها أرادت بعد حين أن تعيد قص ما جرى في ذلك اليوم الدامي، الحارق.
الأجيال القادمة التي لم ترَ ما حدث، لن تجد في أي فيلم يصنع عن ذلك الهجوم، ما هو أكثر إثارة من الذي حدث ووثقته الكاميرات. لقد كان الواقع يومها أكثر إثارة من المخيلة.
منذ ذلك الحين، وضع المحللون والباحثون وراسمو السياسات، خطاً فاصلاً بين مرحلتين أو تاريخين: ما قبل 11 سبتمبر وما بعده. ولعل أهم ما بات محلاً للنقاش، هو إعادة النظر في مفهوم قوة أمريكا؛ ذلك أن هذه القوة تعرضت لتحدٍ فوق الأراضي الأمريكية ذاتها؛ لا بل في القلب الاقتصادي والتجاري لها، حين هوجم البرجان الشهيران بطائرات أمريكية، ومن قبل طيارين تلقوا تدريباتهم في أمريكا نفسها، وهو ما بدّد حال الطمأنينة السائدة هناك، والقائمة على فكرة أن لدى أمريكا من القوة والجبروت، ما يجعلها تخوض الحروب في أي بقعة من الأرض، دون أن تتعرض أراضيها لأي خطر.
ردّت إدارة بوش الابن على ما جرى من ارهاب في 11 سبتمبر، بحرب واسعة النطاق في أفغانستان، استهدفت رؤوس القاعدة في تورا بورا، وأزاحت حكم طالبان الذي كان الحاضن لأسامة بن لادن وتنظيمه الارهابي، القاعدة، الذي هندس لهجوم نيويورك ونفذه، لكن لا بوش، ولا الرؤساء الذين تلوه، قضوا حتى الان على طالبان والقاعدة وأذرعهما الممتدة في غير مكان.
( صحيفة الخليج )