تحقيقات
هل ما زال لأمريكا دور كوسيط لعملية السلام؟
–
أن يجمع الرئيس الأمريكي قادة المعسكرين لتوقيع اتفاق سلام كما فعل بيل كلينتون عام 1993 في واشنطن، أو جيمي كارتر قبل 40 سنة في كامب ديفيد حيث جمع قادة مصر وإسرائيل في لحظة مفصلية أيضاً في تاريخ الدبلوماسية، أمر معقد بحسب رأي الرئيس نفسه.
ووعد رجل الأعمال الجمهوري حديث العهد في الدبلوماسية، عند توليه مهامه بالتوصل إلى “اتفاق نهائي” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأوكل هذه المهمة إلى مجموعة صغيرة مبتدئة أيضاً في السياسة، لكنها معروفة بمواقفها القريبة من إسرائيل تحت إشراف صهره ومستشاره جاريد كوشنر.
وقال ترامب في مايو (أيار) الماضي: “بصراحة، إن الأمر قد يكون أقل صعوبة مما كان يظن البعض منذ سنوات”.
لكن بعد سنة، يبدو أنه غير رأيه وبات يقر بصعوبة التوصل إلى اتفاق.
وقال الأسبوع الماضي: “طوال حياتي، سمعتُ أنّ هذا أصعب اتفاق، بدأت أعتقد أنه قد يكون كذلك”، رغم أنه أكد في الوقت نفسه اقتناعه بالقدرة على تحقيق ذلك.
سياسة ابتزازية
لكن الإطار العام، تغير بشكل كبير. فبعدما تريث الفلسطينيون في بادئ الأمر في مسألة التعاطي مع الرئيس المتقلب المزاج، جمدوا كل الاتصالات مع واشنطن اعتباراً من نهاية 2017 بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما شكل قطيعة مع إجماع دولي معتمد منذ عقود، ينص على أن وضع المدينة المقدسة يحسم عبر المفاوضات.
ومنذ ذلك الحين، كثفت الإدارة الأمريكية الإجراءات لمعاقبة القادة الفلسطينيين والضغط عليهم للعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.
فأوقفت المساعدة الثنائية تقريباً وألغت الدعم المالي للأونروا، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقررت الإثنين إغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بعد 25 عاماً على استقبال عرفات بكل مراسم الشرف في البيت الأبيض.
بالتالي، هل يكون “السلام بالقوة؟” كما تقول عقيدة ترامب.
تقول الدبلوماسية الأمريكية السابقة ميشيل دان، الباحثة في معهد كارنيغي للسلام الدولي، إن المسؤولين الأمريكيين “يعتقدون أن الفلسطينيين سينتهي بهم الأمر بالاعتراف بأنهم خسروا، وأنه عليهم قبول ما يعرض عليهم بغض النظر عن الشروط، قد يكون الأمر مقابل حكم ذاتي محدود وبإدرات اقتصادية”.
وأضافت أن الأمريكيين يحاولون سحب المواضيع الشائكة مثل مصير القدس، واللاجئين الفلسطينيين، أو حتى مستقبل الدولة الفلسطينية عن طاولة المفاوضات، خصوصاً وأن ترامب لم يبد أبداً تأييده لمبدأ “حل الدولتين”.
وتابعت: “لكن هذه المواضيع تبقى بوضوح أساسية للفلسطينيين، وكذلك للكثير من العرب والمسلمين ومن غير المرجح أن يقبلوا بذلك”.
دور منحاز
لكن السلطة الفلسطينية باتت تنفي على دونالد ترامب دور الوسيط الذي كانت تحظى به الولايات المتحدة لفترة طويلة.
ويرى المفاوض السابق في إدارات الجمهوريين والديمقراطيين، آرون ديفيد ميلر، أن واشنطن “لم تكن أبداً فعلياً وسيطاً نزيهاً” أو غير منحاز.
ويوضح قائلاً: “علاقتنا مع إسرائيل كانت دائماً تمنعنا من ذلك. لكن يمكننا أن نكون كذلك في أوقات معينة، وهو ما أسميه وسيطاً فعالاً عبر استخدام هذه العلاقة للتوصل إلى اتفاقات بين العرب والإسرائيليين”، مشيراً إلى اتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، أو اتفاقات أوسلو في ظل رئاسة كلينتون.
وفي الوقت الراهن “نسفنا أو حتى تخلينا عن أي احتمال لنكون ولو وسيطاً فعالاً” كما يضيف هذا الباحث من مركز ويلسون، وهو معهد أبحاث في واشنطن مؤكداً أنه “لم يشهد أبداً إدارة تدعم إسرائيل بمثل هذا الشكل الفاضح، وفي الوقت نفسه تكن العداء للجانب الفلسطيني في معادلة السلام هذه”.
مشروع واعد!
وتبدو المسألة شائكة إلى حد أن فريق كوشنر يواجه صعوبات في إيجاد الوقت المناسب للكشف عن خطة السلام الغامضة التي أعدها ويتم إرجاؤها منذ أشهر. لكن مصادر البيت الأبيض تؤكد أنه “لم يتم التخلي عن الخطة على الإطلاق”، وتتحدث عن “مشروع واعد جداً”.
ويقول آرون ديفيد ميلر: “إلا إذا حققوا مفاجأة فعلية” عبر عرض خطة تنص على قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية “فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون رفضاً من جانب الفلسطينيين”.
وقد يكون ذلك المخطط الفعلي لإدارة ترامب كما تقول ميشيل دان وهو “استخدام الرفض الحتمي للفلسطينيين لتبرير إدخال تغييرات جديدة على الموقف الأمريكي حيال التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربية” المحتلة. (أ ف ب)