أقلام يورابيا

البنك الدولي على ضفتي النهر يغني

علي سليمان

هل يصلح موظفو البنك الدولي ومنظماته ومشتقاته لإدارة الملفات السياسية والاقتصادية من موقع المسؤولية؟

تعطي تجربة سلام فياض أثناء توليه لمنصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية إجابة سلبية، فمشروعه لبناء الدولة أسفر عن مجموعة من الممتلكات العقارية وآلاف الوثائق من دراسات وأبحاث وأوراق عمل التي لا تجيب عن أي شيء، فالدولة التي تصورها فياض تنحصر في البنية الملموسة التي تعطيه الفرصة ليستحوذ على أضواء آلات التصوير بين افتتاح مشروع وتدشين آخر.

على الضفة الشرقية من نهر الأردن، تستعاد تجربة مشابهة يتصدى لها هذه المرة عمر الرزاز الذي صعد للدوار الرابع محمولاً على أكتاف المحتجين على قانون ضريبة الدخل الذي قدمته الحكومة السابقة، وهو ترجمة حرفية وأمينة لإملاءات صندوق النقد الدولي، التوأم الشرير للبنك الدولي، ليعود بعد فترة من الوقت اشتملت على كثير من الجولات والمناوشات بنفس القانون تقريباً، مع وجود نوبة من الحنان وتقدير الظروف لقطاع البنوك الذي تقرر في النهاية أن يستبقي ضريبته عند حدود 35%.

يستهلك الرزاز الذي كان موظفاً سابقاً في البنك الدولي الكثير من الوقت ليقدم أفكاره ومشاريعه التي تبدو محبطة عند مقارنتها بالوقت وحمى الترقب التي تحيطها، فالرئيس المكلف استهلك كثيراً من الوقت ليستقر على أعضاء وزارته وخاض صراعات جانبية من أجل اتاحة الفرصة لأشخاص من إطار محيطه الاجتماعي الذي استطاع أن يبنيه بعد عودته للأردن للاستقرار ليقطع اغترابه الطويل.

الرزاز مثل فياض، ليس ابناً لحالة داخلية يعرف تفاصيلها جيداً، هو في الحالات الفضلى مجرد متعاطف إلى حد لا يخرجه عن الحدود المهنية المقدسة لدى هذه الفئة من الموظفين رفيعي المستوى، ولو خاض الرزاز تجربة الانتخابات النيابية في عمان فإنه لم يكن ليحصل سوى على مئات الأصوات لو كان ذلك قبل عشرة أعوام، وشعبيته تنبني على حالة من السعادة التي انتابت الأمهات الأردنيات من نسب النجاح العالية في التوجيهي عند توليه منصب وزير التربية والتعليم، وهو القطاع الذي لا يمتلك أية خبرات سابقة بخصوصه سوى أنه تقدم بوصفه مناصراً لتغييرات جذرية في المناهج لم يستطع أن يطبقها ككثير من الأشياء الأخرى التي تصدى لها في مسيرته المهنية.

عادة ما يجد الأردنيون أنفسهم في مواجهة نخبة سياسية منفصلة، وعند محاولات الاقتراب من التفاصيل اليومية للمواطن الأردني يأتي ذلك مثل زيارة لمطعم شعبي في وسط البلد على سبيل التجربة والتقاط الصور، والأردنيون يمتلكون حساسية مفرطة تجاه المواهب التمثيلية المتواضعة دفعتهم لأن يستقبلوا بسخرية اقتراح الرزاز باستثمار شباب الأردن في قطاف الزيتون، أو بالمصطلح الدارج، فراطة الزيتون، وهي مناسبة تستغرق بضعة أسابيع بصورة موسمية وتعتبر مصدراً للرزق لمئات العائلات في مناطق شمال المملكة، ويصلح المقترح وما يحمله من رومانسية وسذاجة لأن يقترب من محاولة معالجة سرطان مستفحل بحبة أسبرين.

في حالة فياض لم يكن لدى السلطة أي شيء لتخسره عملياً، وبقاؤه استطاع أن يؤمن مئات الملايين من المساعدات السخية، وهو الأمر الذي جعل الفلسطينيين ينخرطون في لعبة قص شريط الافتتاح المكررة والتي كانت تستهلك نصف وقت فياض، فما الذي سيدفع الشقيق الأردني لهذه اللعبة وكل ما في جعبة الرئيس هو قانون ضريبة يعطيه الفرصة ليحصل على مزيد من الديون مستقبلاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق