السلايدر الرئيسيتحقيقات
مسلسلُ الأنفاق الحدوديّة بين لبنان وإسرائيل يتواصل.. وتطميناتٌ متبادَلةٌ حول الالتزام بالقرار 1701
جمال دملج
– بيروت – من جمال دملج – بينما تتواصل الإجراءات الإسرائيليّة عند تخوم المناطق الحدوديّة مع لبنان بحثًا عن الأنفاق التي تزعم الدولة العبريّة أنّ “حزب الله” حفرَها عبْر “الخطّ الأزرق” من أجل استهدافها بعمليّاتٍ عسكريّةٍ هجوميّةٍ في المستقبل، جاءت تأكيدات قوّات الـ “يونيفيل” بخصوص العثور على نفقٍ ثانٍ في مكان البحث لتُلقي بظلالها على الجانب اللبنانيّ الذي يواصل في الموازاة متابعة التطوُّرات عن كثبٍ، مرتكِزًا في جهوده على تفنيد الادّعاءات المتداوَلة على الطرف الآخَر من الحدود باعتبارها تستهدف في المقام الأوّل تحويل الأنظار عن الأزمات السياسيّة الداخليّة ذاتِ الصلة بتورُّط رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو وزوجته سارة في العديد من قضايا الفساد، علمًا أنّ تأكيدات قوّات الـ “يونيفيل” حول وجود النفق الثاني، معطوفةً على تسريبات المصادر الإسرائيليّة خلال الساعات القليلة الماضية عن اكتشافِ نفقٍ ثالثٍ، وكذلك على نتائج محادثات البعثة العسكريّة التي أوفدَتها تلّ أبيب إلى موسكو مع كبار المسؤولين العسكريّين الروس، باتت توحي في مجملها بأنّ المسألة خرجَت لتوِّها من نطاقها الضيِّق المحدَّد أصلًا بآليّات ومتطلِّبات الحملات الدعائيّة المندرِجة في سياق الحروب النفسيّة التقليديّة، لتدخُل في نطاقٍ أكثرَ اتّساعًا وأكثرَ ضبابيّةً من شأنه أن يضَع مستقبل الهدنة المعمول بها منذ عام 2006 بموجب قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 أمام كلّ الاحتمالات والتكهُّنات، من دون أن يعني ذلك بالطبع أنّ اللجوء إلى خيار الحرب أصبح حتميًّا بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
على هذا الأساس، لم يكن من المستغرَب أن تحضَر عمليّة “درع الشمال” الإسرائيليّة على جدول أعمال المباحثات التي أجراها الرئيس النمساويّ ألكسندر فان دير بيلين في بيروت مع كلٍّ من رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وكذلك في كلٍّ من لقاء قائد قوّات الـ “يونيفيل” الجنرال ستيفانو ديل كول معهما وزيارة السفير الفرنسيّ في لبنان برونو فوشيه لهما ولقائد الجيش العماد جوزيف عون، ولا سيّما أنّ تزامُن تكثيف هذه اللقاءات مع انعقاد جولة المحادثات العسكريّة الروسيّة – الإسرائيليّة في موسكو سرعان ما دلّ بوضوحٍ إلى أنّ التطوُّرات المتسارعة في المناطق الحدوديّة الجنوبيّة باتت تحظى باهتمامٍ دوليٍّ لافتٍ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى في تاريخ اتّفاق الهدنة الآنف الذكر.
وإذا كان الرئيس النمساويّ قد استبعد تمامًا احتمال امتداد الاعتداءات الإسرائيليّة إلى لبنان، فإنّ ما كشفه الرئيس اللبنانيّ عن أنّ “إسرائيل أبلغتنا عبْر الولايات المتّحدة أنّ ليس هناك من نوايا عدوانيّةٍ وستستمرّ بالعمل من داخل أراضيها”، سرعان ما عكَس حالةً من الاطمئنان في مواجهة الهواجس التي تمَّ الترويج لها على مدى الأيّام الثمانية بخصوص النوايا المبيَّتة عند الإسرائيليّين لاستدراج “حزب الله” على خلفيّة أعمال الحفر إلى مواجهةٍ عسكريّةٍ مباشِرةٍ، وهو الاطمئنان الذي تجلّى بوضوحٍ لدى تأكيد الرئيس عون على موقف لبنان المبدئيّ حيال ما يجري عند تخومه الحدوديّة عندما قال: “نحن أيضًا لا نوايا عدوانيّةً لدينا، وبالتالي لا خطر على الاستقرار على الحدود، إنّما يجب أخْذ بعض التدابير لإزالة سبب الخلاف، ونحن مستعدّون للعمل في هذا المجال، ولكن بعد الحصول على التقرير النهائيّ وتحديد المواضيع التي تجب معالجتها”.
علاوةً على ذلك، فقد أبلَغ الرئيس عون لاحقًا قائد الـ “يونيفيل” تمسُّك لبنان بتطبيق قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 1701 انطلاقًا من حرصه على المحافظة على الأمن والاستقرار في الجنوب، ورفضه أيَّ ممارساتٍ يمكن أن تؤدّي إلى توتير الوضع على الحدود، مؤكِّدًا للجنرال ديل كول أنّ “لبنان ينتظر نتائج التحقيقات الميدانيّة الجارية في موضوع الأنفاق والتي تتولّاها القيادتان اللبنانيّة والدوليّة ليُبنى على الشيء مقتضاه”، وهو ما كان الرئيس برّي قد جدَّد التأكيد عليه عندما قال إنّ لبنان لا يزال ينتظر إعطاءه الإحداثيّات لما يتعلَّق بالأنفاق، مشدِّدًا على الإصرار على تنفيذ القرار 1701 الذي ينصُّ على عدم إحداثِ خرقٍ من طرفٍ ضدَّ الآخر بينما هناك أكثر من مئةٍ وخمسينَ خرقًا إسرائيليًّا في الشهر الواحد ضدَّ لبنان.
وفي هذا السياق، لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ الجنرال ديل كول كان قد أوضح في بيانٍ لقيادة الـ “يونيفيل” أنّه أطلَع الرئيسين عون وبرّي على زيارته الأخيرة لموقعٍ بالقرب من “المطلّة”، حيث أجرى خبراءُ تقنيّون من عناصر البعثة الدوليّة عمليّةَ تفتيشٍ للموقع بغية التأكُّد من وجودِ نفقٍ، وأنّ الفريق التقنيّ تحقَّق من وجودِ نفقٍ ثانٍ شمال النفق السابق في محيط المنطقة نفسها، مشيرًا إلى أنّ “العمل لا يزال قيد المتابعة، وأنّ اليونيفيل ستبذل أقصى جهدها للحفاظ على قنواتِ اتّصالٍ واضحةٍ وذاتِ مصداقيّةٍ مع كلا الجانبين حتّى لا يكون هناك أيّ مجالٍ لسوء الفهم حول هذه المسألة الحسّاسة”.
وفي السياق ذاته، لا بدَّ من الإشارة أيضًا إلى ما كشفه المدير العامّ للأمن العامّ اللواء عبّاس ابراهيم عن أنّ “اتّصالاتٍ لمنع إسرائيل من خرق القرار 1701 تجري على قدمٍ وساقٍ”، ولا سيّما بعدما طمأن اللبنانيّين إلى أنّ “الوضع على الحدود تحت السيطرة”، مؤكِّدًا على أنّ “الجانب اللبنانيّ على الجهوزيّة التامّة لمواجهةِ أيِّ اعتداءٍ إسرائيليٍّ”، وموضحًا أنّ “الأنفاق موجودةٌ منذ زمنٍ ولكنّ توقيت استخدامها من قبل الجيش الإسرائيليّ يُسأل عنه”…وحسبي أنّ البيت في القصيد يكمُن في الإجابة المرتقَبة عن هذا السؤال… والخير دائمًا من وراء القصد