كيرلس عبد الملاك
كم مررت بأزمات في الحياة واعتقدت أنها نهايات مدمرة لن يليها إشراق ولا أمل لكنني اكتشفت بمرور الوقت أنها ليست هكذا، نعم إنها مراحل زمنية قاسية لكنها أيضا محطات حياتية مفيدة ومثمرة في عمري، فما من أزمة مررت بها إلا واكتسبت بسببها شيئًا إيجابيًا برغم الظلام الذي حل على قلبي وعقلي لبعض الوقت عندما اقتحمتني، حتى أنني صرت عندما أمر بأزمة ما أعود وأذكّر نفسي بالمشاعر العصيبة التي غمرتني في أزماتي السابقة والتي انتهت بما تحمله من حزن وألم فأتيقن أن لكل أزمة نهاية ولكل ضيقة ختام بل ويتبعها فائدة أيضًا قد تتمثل في خبرة أو رؤية لم أكن أفطن لها في السابق.
يحل اليأس على الإنسان حينما يعجز عقله عن أن يجد مخرجًا لتعقيد ما أصابه وحينها يفتر القلب ويتنهد غارقا في حزنه وألمه، لكن الإنسان في تلك اللحظات العصيبة التي يمر بها لا يفطن إلى محدوديته فهو كائن بشري ضعيف مهما طال نظره ومهما تعمقت رؤيته يظل قصير النظر لا يعي كل ما يجري في الكون، ولا يدرك دقائق مسارات الحياة وخواتيمها، حتى كبار السن والعجائز لا ولن يستطيعوا امتلاك جميع معارف الحياة لذا فهم يظلون تلاميذ لها إلى نهاية العمر.
التحمل والصبر عنصران مهمان ينبغي أن يمتلكهما الإنسان حتى يعبر أزماته بسلام وكلاهما يحتاجان إلى عقل متسع وقلب قوي صامد يستطيع أن يجابه عواصف الزمن بلا رهبة أو خنوع فيصل به إلى الميناء الصحيح مثل ربّان ماهر يعي الوضع السليم لشراع سفينته، ويعلم متى يسير ومتى يتوقف، متى يتقدم ومتى يتراجع، لا يرتبك من الرياح العاصفة ولا يرتعش من ظلام الليل الدامس.
السطحية في النظر إلى أزمات الحياة تعد آفة ضمن آفات البشرية، تدفع الناس إلى الانحياز للآراء الشائعة التي عادة ما ترمي عقل الإنسان في بركة من اليأس، تلك الآراء الشائعة التي تفقدهم بدورها النظرة الصحيحة لأزماتهم ومن ثم تقودهم إلى الإخفاق في التعامل معها، وفي غالب الأمر يصير التأثر بنظرات الناس والخوف من أحكامهم سبيلاً رديئًا منحرفًا لإدارة الأزمة يزيدها صعوبة واشتعالا بل وربما يصنع أزمة حيث لا وجود لها.
وبمناسبة دعوتي لعدم اليأس، أريد الإشارة إلى أنني حينما أكتب مقالات ناقدة لأوضاع معينة سواء كانت أوضاع سياسية أو مجتمعية أو ثقافية أو بأي نوع لا أقصد منها أن يصاب الناس باليأس، فكما يُعد النقد واجب على كل كاتب أمين هو أيضا تعبير عن استمرارية وجود أمل في التغيير والانتقال إلى الأفضل، فالإنسان الذي لا يستطيع الإمساك بالسلبيات وتوجيه الانتقادات إليها لن يصل أبدًا إلى امتلاك الإيجابيات، وليس معنى هذا أن نرى الأشياء بعين واحدة سوداوية يائسة، لكن المقصد أن يكون الاعتراض أو الفكر النقدي مكملاً لرؤية أكثر شمولية واتساعًا لدى القاريء تضم جميع أبعاد الحياة المحيطة مع الابتعاد التام عن المغالاة والمبالغة حتى لا تتآكل الحقيقة في ثنايا العواطف والانحيازات البشرية.
حينما تصطدم بأزمات الحياة أو تطلع على مأساوياتها وسلبياتها عليك أن تدرك أن البشرية كثيرا ما تعرضت لسقطات وكوارث تاريخية كادت أن تفتك بها لكن برغم سوداوية هذه السقطات والكوارث انتهت برخاء وإشراق كان بعيد الحدوث عن خيال الإنسان لكنه قريب الحدوث من يد الله.
من الطبيعي أن تحل على العالم أوقات عصيبة، ومن المنطقي أن تقتحم الحياة أعاصير، ليست الحياة مجرد طريقا روتينيا متشابها، فكما أن هناك تعاقب لليل والنهار وكما أن هناك انتقال وتغير في فصول السنة المناخية بين شتاء وصيف وخريف وربيع هناك تقلبات تاريخية وزمنية تعبر على الإنسان عليه أن يتقبلها بصدر رحب وعقل متسع وقلب رزين حتى يخرج منها سالما وغانما بأقصى درجات الخير والفائدة.
دمتم في أمل وصمود