منذ حرب فلسطين 1948 أصبح ناصر يفكر من منظور عروبي، وفي الاحتفال بالذكري الثانية لثورة يوليو1954 أعلن أن عهدا جديدا من العلاقات القائمة على الاخوة الصريحة والصادقة قد بدأ مع كل العرب، وأن هدف مصر هو أن يصبح العرب أمة وشعبا واحدا قادرا على الدفاع عن نفسه، ولذا يجب على الاستعمار أن ينسحب من كل الأراضي العربية وليست مصر فقط، وهنا مدت إذاعة صوت العرب فترة إرسالها من ساعتين إلى خمس ساعات يوميا، وأصبحت الوسيلة للدعاية لمناهضة الاستعمار، كما بدأت الضغوط السياسية على الحكام العرب للسير في طريق الوحدة العربية ومعاداة الاستعمار ووجود القوات البريطانية في الأرض العربية، كما امتدت حملة ناصر ضد الاستعمار إلى إفريقيا.
كما دعم ناصر حركة ماو ماو في كينيا، واشتد الصدام بين ناصر وبريطانيا التي تريد أن تحافظ على مستعمراتها في إفريقيا وآسيا، وخاصة بترول العراق، ولذا سعت بريطانيا لتجديد علاقتها مع العراق من خلال حلف يضم بريطانيا وتركيا وباكستان والعراق باسم حلف بغداد، بدعم من رجلهم القوي في العراق، نوري السعيد، والذي كان يعتمد على بريطانيا لحماية العراق ودعمه اقتصاديا، ولم يكن متعاطفا مع ناصر في طرد بريطانيا من المنطقة العربية.
أما ناصر فتوفرت لديه أسباب عديدة لرفض حلف بغداد، وكان من أهمها أنه يعرض حياد الجامعة العربية للخطر، كما أن موقف نوري السعيد كان يمثل ضربة لسياسة ناصر القومية العربية، وكانت رؤية ناصر أن سياسة نوري السعيد سوف تؤدي إلى تفكك العالم العربي.
أرسل ناصر في البداية صلاح سالم إلى العراق لاقناع نوري السعيد بمخاطر الحلف المزمع إنشاؤه، ولكن المهمة فشلت بسبب تعنت نوري السعيد.
لكن وقعت المملكة العراقية وتركيا في فبراير1955 المعاهدة الرسمية لحلف بغداد، والتي انضمت لها بريطانيا وباكستان وإيران، علاوة على أمريكا صاحبة الفكرة وإن كانت لم تشارك رسميا في عضوية الحلف رغم أنها دعمته بالسلاح.
لم يكتب لهذا الحلف النجاح في إطار الحرب الباردة بسبب ثورة العراق بزعامة عبد الكريم قاسم وتحوله إلى جمهورية بعد سقوط الملكية، وانتهج العراق بعدها فكرة الحياد الايجابي والعلاقات الطيبة مع الاتحاد السوفيتي، وأصبح اسم الحلف بعد خروج العراق من حلف السنتو، وحرصت النسخة الجديدة منه على الابتعاد الكلي عن الصراع العربي الصهيوني.
أما النهاية الفعلية للحلف فجاءت بعد الثورة الايرانية الخومينية وخروج إيران منه، علما بأن الحلف لم يكن فاعلا على الإطلاق، إذ لم يدعم مثالا باكستان في حربها مع الهند عام 1974.
وُلد حلف بغداد ميتا منذ ميلاده برغم الضغوط الغربية، ولذا لم تشهد المنطقة أحلافا أخرى، ولكن سياسات الهيمنة الغربية استمرت بلا هوادة، وعن ذلك حديث بل أحاديث أخرى.