الإرهاب، هدفه حاسم، ويحمله في اسمه البغيض، الإرهاب. بمعنى أنه لا يكتمل ولا يعتبر نفسه منجزا إلا إذا تحقق الرعب في قلوب من يستهدفهم.
ومن هذا المنطلق الموجز والبسيط في تعريف الإرهاب، فإن مضاد الإرهاب الوحيد، هو في مقاومته ومقاومة الرعب الذي يرغب بتحقيقه، رباطة الجأش، والشجاعة في التصدي له، والأهم الحفاظ على كامل لياقتنا الإنسانية والمدنية في وجهه، هذا وحده يكفي ليصبح مهزوما..ببساطة.
في حياتي، نماذج عدة، لكن كأم وامرأة تؤمن بتمكين المرأة لينهض نصف المجتمع من غيبوبة التجهيل، فإنني لا أرى الآن في سياق الحديث عن مقاومة ومكافحة الإرهاب، إلا نموذجين لسيدتين من تونس، كل واحدة منهن، مركز متكامل في مكافحة الإرهاب.
النموذج الأول، والتي أعرفها شخصيا، السيدة خديجة عرفاوي، تلك التونسية الحرة التي تلقت نبأ مقتل ابنها وزوجته في حادث ارهابي في تركيا ليلة رأس السنة وهم يحتفلون بالحياة، لكن حراس العتمة أبوا إلا أن يحققوا إرهابهم بالقتل والدم.
في صلابة السيدة خديجة، أشاهد كل مرة أسمى تجليات فكرة مقاومة الإرهاب، فهي لم تستلم له، لم تجعل الرعب والرهبة تتسلل إلى وجدانها الحر، بل قاومت تلك الرهبة وذلك الرعب برباطة جأش، وإصرار على مواصلة نضالها كتونسية تؤمن بالحياة بكامل تفاصيلها حقا للتونسيات والتونسيين.
على كل ما يطويه قلبها من حزن، إلا انها لم تجعل لهذا الحزن منفذا ليعتصر منها طاقتها و إرادتها.
هذا أيها السيدات والسادة، مكافحة إرهاب.
أما النموذج الثاني، فهو الأم زعرة، تلك السيدة البسيطة (في حياتها لكن عظيمة في شأنها)، والتي تسكن الجبال وتعيش من الرعي، لكنها مكلومة بفقدها لإثنين من أولادها وقد قطع المجرمون شياطين الاعتمة رؤوسهم، وقد درجت عنها حكاية تكشف صلابتها حين احتفظت برأس ابنها في الثلاجة فترة من الزمن، وعلى قساوة المشهد لكن لا بد ان نتفهم تلك الصلابة من سيدة جبلية تتصدى لمفهوم الرعب بطريقتها، فنجحت، إلى حد أنها لا تزال تطالب بحقها من المجرمين، بذات رباطة الجأش، فلم تسمح للإرهاب أن يغرس مخالب رعبه في قلبها..
تلك أيها السيدات والسادة، مكافحة إرهاب.
الإرهاب، هو الهدف للفكر المتطرف، ولأنه متطرف ويدرك ذاتيا أنه غير مقبول من بني البشر، ولأن المتطرف أيضا يدرك رفض الإنسانية السوية له، فيلجأ لكل ما هو غير سوي ليحقق نفسه ووجوده.
الإرهاب، أسهل الطرق للمتطرف المريض غير السوي، ومن خلال الإرهاب يخضع النفوس لتطرفه وفكره العقيم.
ليس للإرهاب هوية، ولا دين ولا معتقد، هو فقط يتطرف بأي فكرة، ليخرجها عن جوهرها الأساس، يتطرف إلى حد الخروج عن قواعد المنطق البشري، ويسعى لتطبيقها عبر الإرهاب. وسيلته الوحيدة لينتشر.
لغة الدم لغته، لا لغة الحوار. ولأن لغة الحوار معه مقطوعة بالكامل، فإن التصدي له لا يكون إلا بمواجهته بشجاعة، ولأنه عتمة فإن التنوير يصبح ضرورة، ولأنه جهل مطبق، فإن الوعي أهم سلاح مضاد له.
ولأنه يعتمد على تحقيق الرهبة والرعب، وتلك تعني كسر الإرادة، فإن الإرادة والعزيمة بالتصدي له خيار وحيد لا بديل عنه.
المرأة التونسية هي خط الدفاع الأول في تونس، وهذا ينسحب على كل مكان في العالم العربي، فالمرأة هي الأم، وتمكينها بالوعي والإرادة والتعليم.
وتعمدت في مقدمتي ان أسوق حكايتين تنبضان بالحياة من رحم الموت، سيدة مدنية و سيدة جبلية، كلتاهما أم! وكلتاهما واجهتا الإرهاب بالصلابة المطلوبة لينكسر. فالإرهاب لم يحقق هدفه بمقتل اولادهما، بل كان هدفه ترويع الناس بكل هذا الموت، فلم يتحقق له ذلك، وبقي مطلبهما ، القضاء على الرعب والرهبة، بالقاضاء على التطرف نفسه.