السلايدر الرئيسيتحقيقات
“آه يا وجع البعاد”… مسنون فلسطينيون يستذكرون قراهم المحتلة ويحنون إليها
محمد عبد الرحمن
ـ غزة ـ من محمد عبد الرحمن ـ على باب منزلها في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، والذي يعد أكثر المخيمات فقراً واكتظاظاً بالسكان في قطاع غزة، تجلس المسنة الفلسطينية نجاح الشتنف (85 عاماً)، وذاكرتها تعود إلى مدينة يافا المحتلة التي هجرت منها عام 1948، بعد استيلاء العصابات اليهودية عليها بالقوة.
وجع المسنة المعروفة باسم ام محمد ليس فقط بسبب التهجير والاستيلاء على الأرض فحسب، بل بسبب بعدها عن أقاربها الذين بقوا في مدينة يافا بعد رفضهم الخروج منها، والإصرار على البقاء بها مهما كلفهم الثمن، فهى لم تتمكن من رؤيتهم طيلة السنوات الماضية سوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنهم في وطن واحد.
بداية اللجوء
وتقول في حديث لـ “يواربيا”: “عندما جاء اليهود بقرار من الحكومة البريطانية للاستيلاء على أراضينا وطردنا منها بالقوة، وإقامة وطن قومي لهم بدل أن يبقوا مشردين في الدول الأوروبية؛ قاموا بقتل عائلات كثيرة في المدينة؛ مما اضطر غالبية سكانها ومنهم والدي لمغادرة يافا وترك بيارات البرتقال والرمان خشية القتل والمجازر، وانتقلنا عبر المراكب الى بور سعيد، ومن ثم الى سيناء حتى انتهى بنا المطاف عام (1950) في غزة لنسكن في مخيم اللاجئين”.
تضيف “بعد هروبنا خوفاً من الموت رفض أشقاء والدي الخروج، وفضلوا البقاء في منازلهم حتى لو هدمت على رؤوسهم، وبقوا في مدينة يافا، ونحن في قطاع غزة غرباء في وطننا، لم نعرف اي معلومات عن أقاربنا، تمنينا لو بقينا معهم ولن نغادر، ولكن الظروف كانت أقوى من الجميع”.
اشتياق
وتتابع “بقى والدي في غزة دون عائلته، فهو لم يجد وسيلة اتصال معهم فكان يشتاق لهم كثيراً، والحديث معهم، أو حتى سماع خبر ليطمئن عليهم؛ ولكن للأسف لم يحالفه الحظ فقد مات عام (1978) وهو مغترب عن عائلته الذي كان يحلم أن يكحل عيناه برؤيتهم، ولكنه لم يستطيع ذلك لعدم تمكنه من دخول البلاد وعدم توفر وسيلة اتصال في ذلك الوقت.
وتشير الحاجة ام محمد، إلى أنه مع بداية عام (1980)، وبعد سماح قوات الاحتلال لسكان الضفة الغربية، وقطاع غزة العمل داخل الأراضي المحتلة، قرر أشقائها الذهاب للعمل والبحث عن أقاربهم داخل مدينة يافا، تقول “بعد بحث طويل استطاعوا الوصول الى أشقاء والدي وأبنائهم فكان اللقاء صعباً بعد غياب استمر أكثر من (30 عاماً)”.
وجع الفراق الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاماً، كان دوائه رسالة مكتوبة بخط اليد تلقتها المسنة من شقيق والدها، أرسل من خلالها حبه وشوقه، وحنينه لرؤيتها، والجلوس معها، وهى عبرت عن حبها وشوقها له برسالة اخرى أرسلتها مع أخيها الذي كان يعمل داخل الأراضي المحتلة ويستطيع رؤيتهم والتواصل معهم.
لم الشمل
وتردف بقولها “عندما قرأت أول رسالة خطية أرسلها عمي شقيق والدي غمرتني السعادة ولم أتمالك نفسي، فتذكرت الطفولة، وتذكرت يافا الجميلة، وهو أيضاً فرح فرحاً شديداً بعد رؤية أخوتي، والتعرف عليهم بعد سنوات الفراق، ولم الشمل من جديد، وقراءة الرسالة التي أرسلتها له وتمنى أن نعيش سوياً كما قبل النكبة”.
وتوضح المسنة، أن التواصل انقطع مجدداً مع أقاربها بعد اندلاع انتفاضة الحجارة عام (1987)، لعدم السماح للعمال من دخول الأراضي المحتلة، ولكن بعد مرور ما يقارب عقدين من الزمن استطاع أحفادها الوصول إلى أقاربها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل معهم من جديد وبشكل متواصل.
وجع البعاد
“أه يا وجع البعاد” بهذه العبارة استذكر المسن الفلسطيني أبو ناهض الشريف مدينة هربيا المحتلة التي هُجر منها قسراً مع عائلته عام (1948)، حينما كان يبلغ من العمر (17 عاما)، فهو لم ينسى أشجار الزيتون والبرتقال، وأصوات العصافير، و يتمنى أن يعود إلى منزلهم الذي طردوا منه، ويعيش به ولو حتى يومياً واحداً.
ورغم مرور (70 عاما) على النكبة الفلسطينية وسرقة الأرض من أصحابها، الا أن اللاجئ الفلسطيني، الذي قارب عمره على الـ(90 عاماً) مازال يتذكر لحظات طردهم من أراضيهم المحتلة والاستيلاء عليها بالقوة، وبقوا لاجئين في وطنهم والغريب يسكن أرضهم ويتمتع بخيراتها.
يقول في حديث لـ” “: “كنا نعيش في مدينة هربيا بخير وسلام، نزرع الأرض ونحافظ عليها، وفي وقت الحصاد نحصدها لنعيش منها فكان والدي يردد عبارة ـ الأرض تعادل الروح ـ وكان يوصينا أن نحافظ عليها ولا نفرط بها؛ ولكن الاحتلال لم يتيح لنا الفرصة لتنفيذ الوصية، فقد سرق الأرض وطردنا منها بالقوة”.
الاستيلاء على الأرض
يضيف، بعد صدور قرار التقسيم عام (1947)، زادت الأطماع في أراضينا للسيطرة عليها وطردنا منها، للاستيلاء عليها واقامة وطن قومي لليهود، ونشط السماسرة في ذلك الوقت لإغراء الفلسطينيين بالمال وشراء بيوتهم، وأراضيهم لتسهيل عملية السيطرة، واقامة الدولة اليهودية، تلقينا عدة عروض لبيع البيت والأرض بمبلغ كبير؛ ولكننا رفضنا ذلك”.
ويكمل حديثه “في عام(1948) دخلت جماعات “الهاغاناه”الى فلسطين، وارتكتبت المجازر بحق الفلسطينيين، فخرج السكان خوفاً من الموت، أردنا البقاء في بيتنا، ورفضنا الخروج منه؛ ولكن الجماعات اليهودية استخدمت قوة السلاح لطردنا من أراضينا والاستيلاء عليها، فاضطررنا على الهجرة وترك ممتلكاتنا في مدينة هربيا، والخروج منها بعد تهديدنا بالقتل”.
ويردف قائلاً “بعد خروجنا من البيت حاولنا العودة قبل مغادرة المدينة؛ ولكن المخطط اليهودي نجح بامتياز فكانوا مدججين بالسلاح، واي شخص يتحرك يطلقون الرصاص عليه، فقد تركنا هربيا وقلوبنا بقت هناك مع أشجار الزيتون والبرتقال، فالوجع الذي أصابنا هو أن نزرع الأرض ونحافظ عليها، ويأتي الغريب يستولي عليها ويطردنا منها”.