ـ تونس ـ من سناء محيمدي ـ عرض تقرير دائرة المحاسبات (اعلى سلطة في القضاء المالي)، عديد التجاوزات الخطيرة في مؤسسات عمومية، شملت شركة الخطوط التونسية، ومشفى حكومي “عزيزة عثمانة” بالعاصمة التونسية، وشركة الكهرباء والغاز.
وتضمن تقرير دائرة المحاسبات الحادي والثلاثين، نتائج أعمالها الرقابية والقضائية بخصوص عدد من المؤسسات العمومية، من خلال فضح شبهات فساد وسرقات صلب هذه المؤسسات ما يشي بتبديد المال العام وانتشار الفساد في جميع مفاصل الدولة التونسية.
وكشف التقرير المذكور ان الإفراط في اللجوء للاتفاقيات الثنائية بين الطيارين التي تخول للطيار أن يؤمن استثنائيا رحلات جوية عوضا عن زميله في توزيع غير متوازن لساعات الطيران، كما تبين أن 43 بالمئة أنجزوا ساعات طيران أقل من الحد الأدنى السنوي، وهو ما ترتب عنه تحمل شركة الخطوط التونسية لمبلغ 5.74 مليون دينار بعنوان ساعات طيران لفائدة طيارين دون أن ينجزوها فعليا.
شبهات فساد
كما ورد في التقرير تفاقم ظاهرة الغيابات لدى الطيارين وخاصة الغيابات غير المبررة إذ تبين أن طيارين إثنين قد اشتغلا لحساب شركة طيران أجنبية خلال مدة غيابهما دون أن تتخذ الشركة إجراءات فعالة للحد منها، حيث تحملت الشركة بدون موجب خلال الفترة 2015 و2017 مبالغ قدرها 3.89 مليون دينار بعنوان فوارق بين ساعات الطيران المسجلة من قبل قائد الطائرة على ورقة الرحلة والساعات المسجلة على المنظومة الالكترونية.
الى ذلك، ساهم سوء توظيف الطيارين في تدهور مؤشر انتظام الرحلات ودفع بالشركة لكراء طائرات بطواقم بكلفة جملية قدرها 916 مليون دينار خلال الفترة 2014 و2017.
كما ألقى تقرير دائرة المحاسبات الضوء على وقوع شبهات فساد في ما يتعلق بالتصرف في مخزون قطع غيار الطائرات، ما بين 2012 و2017 ، اذ وقع نزع قطع غيار من طائرات دون تركيبها بطائرات أخرى وذلك في 22 مناسبة وهو ما قد يخفي تجاوزات تتعلق بالسرقة.
كما تم رصد 658 حالة تتعلق بمعدات معطبة تم إرسالها إلى مختصين في الصيانة لإصلاحها “دون أن يتبين ما يفيد استرجاعها من قبل شركة الخطوط التونسية الفنية”.
ادوية بقيمة نصف مليار لا اثر لها
وعلى صعيد اخر، كشفت دائرة المحاسبات بتونس ان المشفى الحكومي عزيزة عثمانة قد استلم خلال الفترة من 2013 و2015 أدوية خصوصية للمرضى بقيمة 156.4 ألف دينار بعد وفاتهم ولم يتم تسجيلها بالمخزون من بينها أدوية بقيمة 55.2 ألف دينار وأفاد المشفى بعدم توصله لها رغم أنها حسب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تم تسليمها لأحد أعوانه.
كما سجلت دائرة المحاسبات، إسداء خدمات طبية وصرف أدوية مجانا بقيمة جملية تناهز 7.6 ألف دينار لفائدة 239 مريضا على أنهم من قوات الأمن والجيش بإدراج أرقام وهمية لبطاقات علاج ولبطاقات تعريفة وطنية بالتطبيقة الالكترونية المخصصة.
كما افرز فحص عينة من وصفات الأدوية أن 35 بالمئة منها لا تتضمن هوية الممضين عليها مما لا يساعد على ترشيد الاستهلاك، كما تم تسجيل فقدان أدوية حين صرفها في قسم الاستعجالي، فيما بلغ استهلاك المستشفى من المضادات الحيوية خلال الفترة 2012 و2016 ما قيمته 3.2 مليون دينار وهو ما يمثل 21.3 في المئة من الاستهلاك الجملي للأدوية.
وتسعى تونس ما بعد الثورة، الى استئصال افة الفساد التي تنهش في البلاد منذ عقود، اذ تم إحداث لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد وهو اوّل نص قانوني يتمّ تخصيصه لتناول موضوع الفساد، تلاه فيما بعد المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المؤرخ في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 المتعلّق بمكافحة الفساد والذي تمّ بمقتضاه إحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بدل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، والتي انتهت أعمالها بوفاة رئيسها العميد عبد الفتاح عمر وبتقديم تقريرها النهائي في شهر أكتوبر من سنة 2011.
وتلقّت هذه اللجنة ما يزيد عن 11000 ملف، درست منها 5000 ملفا وأحالت على القضاء 459 ملفا تعلّقت بالعديد من الأطراف والجهات والأشخاص، تركزت بالخصوص حول الرئيس السابق وعائلته والمقرّبين منه من رجال السياسة والأعمال والإعلام.
ورغم اهمية هذه الملفات، لا تزال إلى اليوم في طور التحقيق القضائي ولم تصدر في شأنها أحكام قضائية، وقد خلق هذا التأخير استياء لدى الراي العام بغياب جدي للمساءلة والمحاسبة وبالتالي تنامي كل أشكال ومظاهر الإفلات من العقاب.