أقلام يورابيا

نعم… نحن انقلابيون

أحمد المصري

أحمد المصري

خاض العالم العربي تجربتين متباينتين منذ حقبة الاستقلال التي تفاوتت مراحلها بين دولة وأخرى في القرن الماضي.

التجربة الأولى كانت في الشعار القومي، ولا نقول الدولة القومية، فلم تقم دولة بالأساس في أي قطر عربي، بل كانت سلطات حاكمة تطرح شعارات قومية ترى في العالم العربي وحدة متماسكة تماما من المحيط إلى الخليج، وما بينهما كيانات قابلة للوحدة ـ حسب رؤية القوميين ـ بدون اي لاصق سوى الإرادة الغائبة.

قامت تلك “الدول ـ مجازا” على أسس قومية وانتهت إلى دكتاتوريات بائسة لم ترتق حتى إلى دولة الحزب الواحد، لقد سقط الحزب وبقي ذلك “الواحد” هو الحاكم الآمر الناهي المستبد يوزع عدالته الشخصية كيفما يشاء، بل قد وصلنا في مرحلة من مراحل السلطة في العالم العربي على ترقب “البيان رقم واحد” على المذياع ليعلن انقلابا جديدا على السلطة، ودرجت النكتة الساخرة من الشارع العربي حينها على القول بأن الضابط الذي يستيقظ مبكرا قبل أقرانه، هو الرئيس القادم (على دبابة طبعا) وصاحب البيان رقم واحد.

التجربة الثانية كانت في في الشعار الإسلاموي، وهو النهج البديل الذي وجد نفسه يتمدد ويجد مكانا له في المشهد بعد هزيمة 1967، وقد كانت تلك هزيمة للتيار القومي الناصري برمته، ثم وجد التيار الإسلاموي السياسي دعما في ظل سخونة أجواء الحرب الباردة واستقطاباتها بين المعسكر الغربي والمعسكر الشيوعي، وتجلت الحاجة للتيار الإسلاموي في حرب أفغانستان كأداة تنفيذ لسياسات المواجهة مع الشيوعية “الملحدة”.

تلك التجربة ” المرة والشائكة” في تطويع الدين كأداة سياسية في العلاقات الدولية، خلقت لتيارات الإسلام السياسي صيغة تواجد جديدة لتطرح نفسها نموذجا للحكم في العالم العربي.

انتهينا اليوم، وبعد ما تم تسميته بالربيع العربي، بفوضى غير خلاقة، ثار فيها المواطن العربي على واقعه المرهون بأنظمة مستبدة شرخت اسطوانتها القومية والوطنية وتجذر الفساد فيها حد القهر العام، ليعيد التيار الإسلاموي السياسي محاولة إنتاج نفسه بديلا في الحكم، بدون برنامج حكم حقيقي مفصل وبلا أي رغبة بتكوين دولة المؤسسات والقانون، بل وفي حالات مثل مصر، اختطف التيار الإسلاموي الثورة الشعبية على الحكم المستبد، ويزيح بدوره من المشهد كل المطالبين بدولة مدنية، وهو ما أعطى الفرصة في المحصلة لعودة الحكم العسكري، ونعود لنفس الدوران في الحلقة المفرغة.

المشكلة في كل ما مر بهذه العجالة البانورامية، انه لم يحدث ولو للحظة فارقة تاريخية أن أعطيت الفرصة للتيار الديمقراطي المدني الحقيقي بالظهور، لم يكن للشعب فرصة لتشكيل نخبته الحاكمة ضمن أسس مؤسساتية ديمقراطية تمثيلية نزيهة وذلك منذ حقبة الاستقلال في أوائل القرن الماضي حتى اليوم.

واليوم، ومع كل التحولات المتسارعة والتي تأتي في سياق ثورة عالمية جديدة يشبهها الزميل “مالك العثامنة” بالزحزحة القارية غير الملموسة، ثورة تكنولوجيا ودفق معلوماتي يتم احتسابه بأجزاء الثانية، فإن تلك التحولات التي لا يمكن إخراج العالم العربي عن سياقها بحكم الضرورة ولأننا ببساطة شديدة جزء من هذا الكوكب، فإن تيارا عريضا “شعبي ونخبوي” يكتمل انسجامه الذاتي، يمتد على خارطة العالم العربي أفقيا يعبر عن رغبة شديدة وواعية للدولة المدنية، دولة المؤسسات التي يحكمها القانون.

هو انقلاب، ليس على ظهر دبابة، ولا ببيان على الإذاعة، بل انقلاب في الوعي العام، يتلمس باحثا عن مواطنته الحقيقية في إطار دولة تعطيه حقوقه كما تفرض عليه واجبات.

نحن في “”… وبلا مواربة منحازون لهذا التيار، نحن جزء من هذا الانقلاب في الوعي، نحن إنقلابيون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق