أقلام مختارة

مؤشرات حرب بين تل أبيب وطهران

حازم الأمين

حازم الأمين

إذا كان صحيحا ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لجهة أن إسرائيل لن تسمح لإيران بأن تحوّل سوريا إلى قاعدة نفوذ لها، فإن الحرب قادمة لا محالة.

فنتانياهو يعرف أن الغارات “التقليدية” التي تنفذها تل أبيب على مواقع في سوريا غير كافية للحد من نفوذ طهران هناك، والضمانات الروسية التي أعطيت أكثر من مرة جرى اختبارها، وطهران صارت جزءا من المشهد الداخلي السوري على نحو لم تكنه يوما، وها هو الانسحاب الأميركي المزمع تنفيذه في غضون مئة يوما سيفتح الطريق للحرس الثوري الإيراني للوصول إلى شاطئ المتوسط، وهذا كله إذا ما قيس بعبارات نتانياهو لن يعني إلا حربا وشيكة.

الغارة الأخيرة التي نفذتها تل أبيب على مناطق في ريف دمشق تختلف عن سابقاتها، ليس لجهة الأهداف التي أصابتها، بل لجهة رد فعل موسكو، ذاك أن الأخيرة شعرت للمرة الأولى أن إسرائيل تسعى لتغيير “قواعد الاشتباك”.

الغارة هذه المرة جاءت قريبة من الخطوط الحمر الروسية على ما يبدو. الجيش الروسي أذاع بيانا حول “إسقاط الدفاعات السورية عددا من الصواريخ”. البيان سابقة على هذا الصعيد، وثمة ما يُطبخ بين عواصم قرار الحرب في سوريا.

الانسحاب الأميركي إذا لم يترافق مع تغيير “قواعد الاشتباك” سيعني نصرا كبيرا لطهران. الحديث عن الضمانات الروسية لا يساوي شيئا في حسابات تل أبيب.

ثم أن الحضور الإيراني في سوريا جرى تقميشه على وقع انتشار إيراني في العراق وفي لبنان بحيث يصعب على الطائرات الإسرائيلية الحد منه. وبهذا المعنى فإن طهران هي الشريك الأكبر في هذه الدول الثلاث، وهي الصانع الفعلي للسياسات فيها، وهي من يدير توجهات نخبها السياسية، ومن يحدد خياراتها على كل المستويات.

قالت طهران إن لا حكومة في لبنان ولا حكومة في العراق فكان لها ذلك؛ وقالت الأمر الميداني لي في سوريا، وها هو العالم يشهد على أن روسيا ليست سوى الشريك الأصغر لها هناك. إذا يبدو أن اقتصار المشهد على غارات أسبوعية لن يلبي تطلع تل أبيب إلى منع طهران من الاقتراب من حدودها.

يمكن للمرء أن يقرأ خطوة واشنطن الانسحاب من سوريا بصفتها مؤشرا لحرب. إذا لم تكن كذلك فهي هدية لطهران. صحيح أنه سبق للولايات المتحدة أن أهدت إيران في العراق نفوذا هائلا، لكنها اليوم تفعلها على حساب إسرائيل وهذا ما يدعو إلى الريبة.

الانسحاب من سوريا إذا ما أضيف إلى تغير في موقع موسكو وإلى إنجازات لقاسم سليماني في دول “هلال طهران” الثلاث، سيعني أن عقوبات واشنطن لن يكون لها نفس الأثر، لكن الأهم أنه سيعني أيضا تعزيزا لموقع إيران في مواجهة إسرائيل.

نعم الغارة الأخيرة على دمشق تحمل مؤشرات جديدة. رد الفعل الروسي مختلف هذه المرة، ولبنان قرر أن يكون له دور، فالطائرات الإسرائيلية مرت في أجوائه أثناء توجهها إلى دمشق، وهي لطالما فعلت ذلك، وهو لم يتحرك. واليوم حان وقت توظيف الاستثمار. وللمرء أن يستشعر وجهة في الحرب المحتملة بناء على هذا المشهد.

فالجبهة لن تقتصر على الحدود السورية ـ الإسرائيلية. توسيع رقعة المواجهة يخدم طهران طالما أن قرار الحرب قد اتخذ في تل أبيب. لبنان سيكون له دور، والعراق أيضا، وطهران أرسلت أكثر من رسالة قالت فيها إن الاستثمار في هذه البلدان ليس مجانيا، وإن النفوذ الذي بنته بدأب وكفاءة سيحين موعد توظيفه قريبا.

من الصعب أن يتوقع المرء لهذه الحرب خريطة واضحة، ذاك أن خيوط النفوذ متداخلة جدا. موقع واشنطن منها يبدو غامضا في ظل قرار الانسحاب، وموقع دول مثل موسكو وأنقرة أيضا من الصعب تحديده في ظل علاقاتهما الوثيقة مع طهران من جهة ومع تل أبيب من جهة أخرى.

ربما أخّر هذا التداخل قرار الحرب في الماضي، لكن من يعرف مدى تصميم تل أبيب على إبعاد طهران عن حدودها يعرف أن الوقت لا يلعب لصالحها. ففي كل يوم تحقق طهران تقدما في مسار تثبيت نفوذها، ويحمل كل يوم انكفاء أميركي، وتتكشف أكثر حقيقة اقتصار الدور الروسي على بعده الرمزي، وما جرى في جنوب سوريا بعد تسليمه للنظام برعاية روسية خير دليل على ذلك. فبعد أسابيع قليلة من هذه الخطوة انكفأت الشرطة الروسية وأخلت المنطقة لخبراء إيرانيين.

مؤشرات الحرب كثيرة، وخيارات الأطراف شديدة الضيق، والوقت يلعب مع طهران غير المحاصرة باستحقاقات الزمن وما يحمله من مواعيد انتخابية في تل أبيب، وحسابات الانسحاب في واشنطن وما تمليها من خطوات ميدانية.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق