السلايدر الرئيسيتحقيقات
لبنان والأوضاع الداخليّة عام 2018: بين الانتخابات البرلمانيّة والولادة الحكوميّة الصعبة!
جمال دملج
– بيروت – من جمال دملج – بعدما كان حقّ الاقتراع قد سُرِق من أصحابه اللبنانيّين إثر التمديد للمجلس النيابيّ المنتخَب عام 2009 ثلاثَ مرّاتٍ متتاليةٍ، الأولى عام 2013 والثانية عام 2014 والثالثة عام 2017، جاءت دورة الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة التي أُجريَت يوم السادس من شهر أيّار (مايو) الماضي لتشكِّل الحدث المحلّيّ الأبرز في العام الحاليّ، ولا سيّما أنّ رمزيّة هذه الدورة لم تقتصِر فقط على استعادة الحقّ المسلوب وحسب، بل تجلَّت أيضًا في العديد من الجوانب الوطنيّة الأخرى، وأهمّها أنّ استخدام “القانون النسبيّ” للمرّة الأولى لدى إجراء عمليّات التصويت سرعان ما أفضى إلى انتخابِ مجلسٍ جديدٍ متجانسٍ أكثر من غيره من حيث التعبير عن الإرادة الشعبيّة في إطار التركيبة الداخليّة المبنيّة في الأصل على المحاصصات الطائفيّة والمذهبيّة الصِرفة، ناهيك عن أنّه تمايَز أيضًا بارتفاع نسبة التمثيل النسائيّ من أربعِ نائباتٍ في المجلس السابق إلى ستِّ نائباتٍ في المجلس الحاليّ، بينما تمَّ التشكيك في فوز المترشِّحة السابعة والناشطة في سبيل المساواة والمواطَنة والكرامة الإنسانيّة وحقوق الفئات المهمَّشة جمانة حدّاد قبل الإعلان عن النتائج النهائيّة، ممّا اضطرّها إلى تقديمِ طعنٍ في التشكيك، ولكن من دون أن يؤدّي ذلك إلى ظهورِ بوادرَ إيجابيّةٍ لغاية اليوم.
المجتمع المدنيّ
وعلى رغم أنّ هذه النسبة تبدو متدنِّيةً جدَّا في مجلسٍ يتألَّف من مئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ مقعدًا تتوزَّع مناصفةً بين المسيحيّين والمسلمين، فإنّ ذلك لا يُلغي بالطبع أنّها الأعلى من نوعها منذ حصول المرأة اللبنانيّة على حقِّها في الترشُّح والانتخاب عام 1953، تمامًا مثلما لا يُلغي أيضًا واقع الحال القائم على أنّ الفائزات في الندوة البرلمانيّة الحاليّة يمثِّلنَ مختلف الفئات التي يتكوَّن منها المجتمع اللبنانيّ، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّه بالإضافة إلى النائبة بهيّة الحريري التي احتفظت بمقعدها عن مدينة صيدا في الجنوب، فقد سُجِّل لـ “تيّار المستقبل” الذي يتزعَّمه الرئيس سعد الحريري فوز النائبة رلى الطبش جارودي عن دائرة بيروت الثانية والنائبة ديما جمالي عن مدينة طرابلس في الشمال، كما سُجِّلت في مدينة بشرّي الشماليّة عودة النائبة ستريدا جعجع زوجة رئيس “حزب القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع، بينما كان لانتخاب الوزيرة السابقة عناية عزّ الدين عن “لائحة الأمل والوفاء” في الجنوب رمزيّة خاصّة باعتبارها أصبحت أوّل سيّدةٍ شيعيّةٍ تدخل إلى البرلمان اللبنانيّ، وهي الرمزيّة التي تنطبق أيضًا على فوز النائبة الإعلاميّة بولا يعقوبيان باعتبارها أصبحت أولى النساء اللبنانيّات اللواتي يدخلن إلى الندوة البرلمانيّة عن حزبٍ سياسيٍّ يمثِّل كافّة فئات المجتمع المدنيّ.
الخارطة السياسيّة
وإذا كان البعض قد رأى أنّ سبب تراجُع نسبة الإقبال على التصويت من أربعةٍ وخمسينَ في المئة قبْل تسعةِ أعوامٍ إلى تسعةٍ وأربعينَ في المئة في شهر أيّار (مايو) الماضي يعود إلى التعقيدات الناجمة عن صعوبة تفسير “القانون النسبيّ” بالنظر إلى اعتماده للمرّة الأولى في تنظيم اللوائح وتوزيعها على أصحاب حقّ الاقتراع، فإنّ هذه التعقيدات لم تحُل في المحصِّلة النهائيّة دون ظهورِ نتائجَ منطقيّةٍ من شأنها أن تُعيد رسم الخارطة السياسيّة في البلد، ولا سيّما بعدما حصَل “الثنائيّ الشيعيّ” على تسعةٍ وعشرينَ مقعدًا، ثلاثةَ عشرَ منها لـ “حزب الله” وستّةَ عشرَ لـ “حركة أمل”، كما حصَل “التيّار الوطنيّ الحرّ” مع حلفائه في “كتلة لبنان القويّ” على تسعةٍ وعشرينَ مقعدًا أيضًا، بينما تراجعَت حصّة “تيّار المستقبل” من ثلاثةٍ وثلاثينَ مقعدًا عام 2009 إلى واحدٍ وعشرينَ مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، علمًا أنّ هذا التراجُع لم يشكِّل أيَّ عقبةٍ أمام تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف الحكومة الجديدة بالنظر إلى دخوله في تحالفاتٍ مع عددٍ من الكتل البرلمانيّة الصغيرة.
العُقدة السُنّيّة
لا شكّ في أنّ مسار تأليف الحكومة العتيدة التي لم تُبصِر النور بعْد هو الذي اعترضَته عدّة عقباتٍ ومطبّاتٍ أغلب الظنّ أنّها نجمَت في الأساس عن طبيعة الخارطة السياسيّة الآنفة الذكر، ولا سيّما أنّ الرئيس المكلَّف لم يكد ينتهي من حلحلة “العُقدة الدرزيّة” ذات الصلة بمسألة توزير أو عدم توزير رئيس “الحزب الديموقراطيّ اللبنانيّ” النائب طلال أرسلان، ومن ثمّ “العُقدة المارونيّة” المتعلِّقة بعدد الحقائب الوزاريّة المخصَّصة لـ “حزب القوّات اللبنانيّة”، حتّى برزَت أمامه تداعيات ما بات يُعرَف بـ “العُقدة السُنّيّة” إثر اشتراط “حزب الله” عدم تسليم أسماء وزرائه المقترَحين الثلاثة ما لم يتمَّ توزير أحد حلفائه من النوّاب السُنّة السِتّة الذين أسّسوا فيما بينهم “اللقاء التشاوريّ” في ربع الساعة الأخير من شوط التشكيل، علمًا أنّ هؤلاء النوّاب كانوا قد شاركوا في الاستشارات النيابيّة الملزِمة مع الرئيس المكلَّف في عِدادِ كتلٍ برلمانيّةٍ أخرى، قبل أن يُعلنوا عن انضوائهم معًا تحت راية اللقاء المذكور في شهر آب (أغسطس) الماضي، الأمر الذي فسِّر في حينه على أنّه محاولة تستهدف التعطيل من أجل التأجيل، أو ربّما الإطالة من أجل إجبار الرئيس الحريري على الاستقالة… وحسبي أنّ الآمال التي كانت معلَّقةً على إمكانيّة ولادة الحكومة العتيدة قبل أن يطوي العام الحاليّ الورقة الأخيرة من روزنامته رُحِّلت إلى العام المقبل، عسى أن يحمل هذا العام معه فاتحةَ خيرٍ للبنانيّين… والخير دائمًا في المبادرة الرئاسيّة التي يتبنّاها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون من وراء القصد.