السلايدر الرئيسيصحف
نيويورك تايمز تنشر تحقيقاً موسعاً حول استشهاد المسعفة الفلسطينية رزان النجار
فادي أبو سعدى
نيويورك تايمز: إطلاق النار على المسعفة في غزة كان متهورًا
ـ رام الله ـ من فادي أبو سعدى ـ نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا موسعًا، حول مقتل المسعفة الفلسطينية رزان النجار بنيران إسرائيلية في الاول من يونيو/حزيران من هذا العام 2018، خلال الاحتجاجات الأسبوعية قرب السياج على حدود قطاع غزة. حول ما حدث في ذلك اليوم، واستعادت خطوات المسعفة والمتظاهرين الفلسطينيين الآخرين الذين أصيبوا بجروح.
وبمساعدة تحليل أكثر من ألف شريط فيديو وصورة، ورسم ثلاثي الأبعاد لمنطقة المظاهرة، وفحص النتائج الباليستية، والحديث مع حوالي 30 شاهدا تواجدوا في المكان، وجدت صحيفة نيويورك تايمز أن النجار أصيبت برصاصة أطلقها قناص باتجاه حشد ظهر بينه بوضوح المسعفون الذين يرتدون الزي الطبي الأبيض.
ويظهر التحقيق أن المسعفين وكل من حولهم لم يعرضوا الجنود للخطر، وأن النجار أصيبت برصاصة أصابت الأرض أولاً، وانفجرت إلى شظايا، أصابت إحداها النجار في صدرها. وقد أطلقت الرصاصة من مسافة نحو 110 أمتار.
ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ادعى في وقت لاحق أن مقتل النجار لم يكن متعمدًا، إلا أن إطلاق النار كان على الأقل متهوراً، وربما حتى جريمة حرب، لم يُحاكم أو يعاقب عليها أحدًا حتى الآن. وتشير إلى أن المدعي العسكري العام، الجنرال شارون أفيك، أوعز في تشرين أول الماضين إلى الشرطة العسكرية بفتح تحقيق جنائي في مقتل النجار. وهذا، على الرغم من أنه وفقا للتحقيق الذي أجرته قوات الجيش الإسرائيلي بعد الحادث، لم يتم إطلاق النار عمداً.
في يوم الجمعة إياه، خلال المظاهرة الأسبوعية بالقرب من السياج الحدودي، ركضت النجار البالغة من العمر 21 عاماً، والتي كان رأسها مغطى بمنديل، وسط الحشد الجماهيري. وكان درعها الوحيد معطفها الطبي الأبيض. لقد حاولت الوصول، عبر الدخان الأسود والغاز المسيل للدموع، إلى الرجل الذي كان ملقى على الأرض قرب السياج.
ونظر جنود الجيش الذين كان سلاحهم جاهزا وموجها، بحذر من وراء الحدود. بعد بضع دقائق سمع دوي إطلاق النار، وقد ركّز العالم لبضعة أيام على موت النجار، التي قُتلت أثناء معالجتها لضحايا المظاهرات، ومنذ لحظة دفنها، تحولت إلى رمز للمواجهة، وأصدر الجانبان بيانات متناقضة حول موتها.
في عيون الفلسطينيين، أصبحت شهيدة قتلت بدم بارد، وهو مثال على تجاهل إسرائيل لحياة الفلسطينيين. وبالنسبة للكثير من الإسرائيليين، كانت النجار جزءًا من مظاهرة عنيفة، وكان استخدام القوة المميتة ضدها، رد فعل شرعي كملاذ أخير.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فقد أدلى شهود عيان فلسطينيون بتقريرهم الأولي وقالوا إن النجار تعرضت للنار بينما كانت ترفع يديها. أما الجيش فقد نشر شريط فيديو تم تحريره عمداً مدعيًا أنها عرضت نفسها كدرع بشري للإرهابيين. واتضح من التحقيق الصحفي أن ما حدث في حزيران كان أكثر تعقيدًا من هاتين الروايتين.
لقد بدأ اليوم الأخير من حياة النجار، في الساعة 3:45 فجراً. قامت بإعداد الفطائر لكي تتناولها مع والدها قبل بدء صيام رمضان. وبعد ان أديا صلاة الفجر معا، عاد الأب للنوم. وعندما استيقظ في فترة ما بعد الظهر، كانت رزان قد غادرت المنزل. في حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، بدأت المظاهرات تشهد زخماً. وتدفق المتظاهرون نحو السياج. وبحلول الساعة 17:30 قام الجنود بنشر ستار من الغاز المسيل للدموع. وحتى ذلك الوقت لم يسمع دوي عيارات نارية.
في الساعة 18:13، اجتاز بضع عشرات من المتظاهرين النقطة التي وضع فيها الجانب الإسرائيلي قبوا رسم الحدود الشمالية للاحتجاج. وبدأ بعض المتظاهرين بتقطيع السلك الشائك، فقام الجنود الذين رابطوا في الجانب الآخر، بإطلاق عيارات تحذيرية وألقوا بالمزيد من قنابل الغاز المسيل للدموع.
في الساعة 18:17، هرعت النجار نحو السياج أمام عيون الجنود لمساعدة أحد الفتية. واستغلها شخص ما وقف خلفها كملاذ، وألقى حجراً على الجنود. كان هناك متظاهران ملقيان على الأرض. عالقان. وسعت النجار مع مسعفين آخرين لتقديم المساعدة. رفع المسعفون أيديهم لكي يظهروا للجنود بأنهم لا يريدون إيذائهم. وتم إطلاق عيارين من فوق رؤوسهم. ولوحت النجار بيدها للجنود الذين كانوا يقفون على بعد 45 متراً فقط، وطلبت منهم عدم إطلاق النار. لكن عندما اقتربت أكثر، تم إطلاق عيار ناري على الأرض أمامها.
استدار المسعفون وركضوا، وفي نفس الوقت أطلق الجنود عليهم الغاز المسيل للدموع. كانت النجار أبطأ منهم في الحركة. في الساعة 18:20، إلى الشمال من هناك، قام متظاهران على الأقل بإلقاء قنابل مولوتوف على الجنود. لم يحدث أي ضرر، ولكن الوضع تصاعد. بدأ المتظاهرون بقطع جزء جديد من السلك، وفجأة سمع دوي عيار ناري. وأصيب أحد المتظاهرين في ساقه.
وفقا للأوامر التي يتلقونها، يطلق الجنود النار على الساقين لتقليل احتمالية الموت. لكن خبراء الباليستية يقولون إنه على مسافة حوالي 90 متراً، يمكن لرصاصة أخطأت الهدف أن تقفز كحجر في بركة. وقال ضابط إسرائيلي كبير لصحيفة نيويورك تايمز: “إذا أخطأت الهدف وأصابت الرصاصة الحجر، فأنا لا أعرف إلى أين ستذهب من هناك”.
في الساعة 18:31 مالت الشمس نحو المغيب وانتهاء يوم الصيام. بدأ الهدوء بالعودة إلى منطقة السياج. نظر جندي من الجيش إلى المكان الذي وقفت فيه النجار، وواصل عدد من المتظاهرين التجوال في المكان، فيما قام عدد قليل من المسعفين بتقديم المساعدة لمتظاهر سقط على الأرض بعد إصابته بالغاز المسيل للدموع. وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، لم يتصرف أحد في المكان بشكل مهدد.
فجأة كانت هناك طلقة أخرى. وأصيب اثنان من المسعفين الطبيين وسقطت النجار على الأرض. وقام متظاهرون، كانت قد اعتنت بهم قبل دقائق، بحملها ونقلها بعيداً. هل من الممكن أن يكون ثلاثة من المسعفين الطبيين قد أصيبوا برصاصة واحدة؟ لقد أكد تحقيق صحيفة نيويورك تايمز أن الرصاصة أصابت الأرض أمامهم وانشطرت.
بحسب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي لشؤون الإعلام الدولي، اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، فإن القناصة أطلقوا النار على ما يبدو على الأشخاص الذين شكلوا خطرا، والذين يبدو أنهم “قصوا السياج وألقوا قنابل يدوية”، وأضاف “لم تكن هي الهدف. أفراد الطواقم الطبية لا يشكلون أبدا الهدف”.
كيف تم إجراء التحقيق؟
قام مراسلو نيويورك تايمز بزيارة غزة ومقابلة أفراد الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل والمدرسين السابقين للنجار والأطباء الذين حاولوا إنقاذ حياتها. كما أجروا مقابلة مع النجار نفسها قبل إطلاق النار عليها. بالإضافة إلى ذلك، تم فحص تقارير التشريح وفحص الأدلة الباليستية لمسرح الجريمة بمساعدة قناصة سابقين ومحققين سابقين، وتم جمع وتحليل أكثر من 1000 صورة ومقطع فيديو التقطت في 1 يونيو من قبل المصورين والمتظاهرين والمراقبين والطاقم الطبي. كما تم فحص الأدلة مع أكثر من 30 شاهدا.
واستخدمت الصحيفة أيضًا مقطع فيديو التقطته طائرة بدون طيار، وبمساعدة وكالة الأبحاث Forensic Architecture، رسم نموذجًا ثلاثي الأبعاد لمسرح المواجهة. وتم استخدام مقاطع فيديو تم تصويرها بواسطة الهواتف الذكية والتي تم تجميعها لرسم خريطة تبين تحركات المسعفين والمتظاهرين والجنود. وبعد ذلك تم تجميد اللحظة التي تعرضت فيها النجار للنيران، وتم استعادة مسار الرصاصة منذ انطلاقها من قبل مجموعة من قناصة الجيش الإسرائيلي، مرورا بمجموعة من المسعفين الطبيين الذين وقفوا على بعد حوالي 110 أمتار.
بالإضافة إلى ذلك، تمت مقابلة المسؤولين الطبيين في غزة وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم قادة عمليات الجيش الإسرائيلي على الحدود، والمحامين العسكريين والمتحدث الرسمي. كما زارت صحيفة نيويورك تايمز مواقع للقناصة قرب السياج وتحدثت مع منظمات غير حكومية وخبراء في القانون الدولي لمعرفة ما إذا كان من الممكن التحديد بأن إطلاق النار كان جريمة حرب.