السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

تونس 2018: رياح الشاهد بما لا تشتهي سفن السبسي.. وتغير بوصلة التحالفات وسط صراع الاجنحة السياسية لعهدة قرطاج

سناء محيمدي

ـ تونس ـ سناء محيمدي ـ يجمع الكثير من التونسيين ان عام 2018 لم يحمل في طياته بمتغيرات في المشهد العام التونسي، اذ كانت سنة صعبة، سواء على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي او السياسي، بل ان تراكم الازمات السياسية التي عصفت بالبلاد القت بظلالها على المشهد التونسي وزادت في هشاشة الوضع لينهي التونسيون ايامهم  الاخيرة من عام 2018 على وقع احتجاجات وانتفاضة شعبية على سوء المعيشة في البلاد ويربك المسار السياسي قبيل اشهر قليلة من المحطات الانتخابية المنتظرة.

وتوقع الخبراء والمراقبون للشان العام التونسي، ان عام 2018 لن يكون عاما سهلا  للتونسيين في ظل بوادر ظهرت مع اقرار البرلمان التونسي لموازنة 2018، التي لاقت رفضا شعبيا وسياسيا كبيرا ادت الى احتجاجات واسعة في المناطق التونسية، ضد الحكومة التونسية على خلفية زيادة الاسعار وارتفاع الضرائب…لكن سرعان ما انتهت موجة الاحتجاجات بالبلاد ..لتتوجه الانظار الى اولى انتخابات محلية بعد ربيع الياسمين.


عزوف انتخابي


شهد عام 2018، اولى انتخابات محلية بعد 7 سنوات من عمر الثورة، في خطوة أخرى نحو تكريس مسار الانتقال الديمقراطي الصعب في ظل الصعوبات الاقتصادية، ورغم اهمية هذا الحدث الانتخابي لم يقبل التونسيون بكثافة على التصويت، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 34 بالمئة، فيما تصدرت حركة النهضة التونسية نتائج الانتخابات باغلبية المقاعد الانتخابية تليها حزب نداء تونس.


وثيقة قرطاج 2 خارج الخدمة


ويرجع بعض المحللين ان الازمة السياسية في تونس اخذت منعطفا اخر، مع اعلان تعليق العمل بوثيقة قرطاج المحددة لعمل الحكومة يوسف الشاهد بعد اسبوع من الانتخابات المحلية،  جاء نتيجة عدم اتفاق المجتمعين على النقطة 64 من الوثيقة، وهي النقطة المتعلقة بمصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، رغم اتفاقهم على 63 نقطة، حيث تمسّك كل طرف بموقفه بشأن الشاهد الذي يترأس الحكومة منذ أغسطس/آب 2016.


ووقعت 9 أحزاب و3 منظمات تونسية في 13 من يوليو/تموز 2016، بقصر قرطاج، وثيقة اتفاق قرطاج، وتم على أساسها تشكيل حكومة وحدة وطنية هي الثامنة في تونس بعد ثورة 2011 برئاسة يوسف الشاهد.


حرب الشاهد ونجل السبسي


ولم يمض كثيرا على اعلان تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2، حتى خرج رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، ليهاجم المدير التنفيذي لنداء تونس، نجل السبسي، ليظهر للعلن حدة الصراع داخل اروقة الحزب المسيطر على السلطة التنفيذية في تونس، واتهمه بالوقوف وراء حملة المطالبة بإقالته، وبتدمير الحزب الحاكم نداء تونسوتصدير أزمة الحزب إلى مؤسسات الدولة ما أثّر عليها سلبا.

الطلاق السياسي بين النهضة والنداء

ويعد نهاية التوافق بين حركة النهضة التونسية ونداء تونس، من ابرز المحطات السياسية في البلاد، اذ اعلن السبسي عن نهاية التوافق بين الحزبين، وهما الحزبان الرئيسان في الائتلاف الحاكم، بدأت قبل خمس سنوات وجنبت تونس السقوط في أتون العنف، واتفقا خلالها على حكومة تكنوقراط وصياغة دستور حداثي وتنظيم انتخابات حرة في 2014.

تعديل وزاري ومعارضة الرئيس

ومع تزايد حدة الاحتقان بين الاجنحة السياسية في البلاد، اعلن رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد تعديلا وزاريا واسعا يستهدف الخروج من الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، في حين أعلنت الرئاسة التونسية أن الرئيس الباجي قايد السبسي لا يوافق على التعديل، ليظهر تناحر راسي السلطة التنفيذية ويزيد من تخبط المشهد العام بالبلاد.


الجهاز السري للنهضة

مما لا شك فيه ان قضية ما يعرف بالجهاز السري للنهضة كانت احد العناوين الكبرى في تونس، ولا زالت الى اليوم لعلاقتها بملف الاغتيالات بتونس، حيث انتقل هذا الملف من هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي الى اروقة البرلمان التونسي، وقصر قرطاج حيث تعهد الرئيس التونسي بهذا الملف لمسه من الامن القومي.


الاضراب العام

 توترت علاقة الحكومة التونسية باتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ اجتماعي واسع، و يملك مفتاح تهدئة الشارع أو تحريكه ضد الحكومة وسياساتها التي يصفها بالفاشلة، وخاضت النقابة التونسية اضرابا عاما رفضا لعدم الزيادة في رواتب الموظفين، ومع تعنت الحكومة في موقف تجميد الاجور، يتصاعد خطاب كبرى النقابات العمالية في تونس لينذر باضراب عام ثان مع بداية عام 2019.


سترات ملونة مثقلة بالاحتجاجات

حمل 2018 ولادة حملات السترات الملونة بالاحتجاجات على خطى التجربة الفرنسية، ليضع حكومة الشاهد في مفترق طرق امام زخم جبهة الرافضين لسياسة الحكومة التي عجزت عن ادارة الملفات الكبرى في البلاد، وفشلت في حل المسالة الاجتماعية المتراكمة، في ظل تعمق الازمة الاقتصادية والارتهان بالخارج.


وعلى صعيد اخر، تحدث مراقبون ومختصون سياسيون الى حول ابرز الاحداث والمحطات التي مرت بها تونس خلال 365 يوما، اذ اعتبر رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، مسعود الرمضاني ان 2018 لم يكن جيدا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، خصوصا مع تصاعد وتيرة العنف وتزايد معدلات الجرائم بشكل غير مسبوق، في الوقت الذي يخيم على المشهد السياسي الانقسام والتشتت وانشغال الطبقة السياسية في ازماتها امام ازياد تردي الاوضاع في ظل ارتفاع معدل التضخم والمديونية.
واشار الرمضاني في حديثه الى ، الى ان التقارير المختلفة والتي تثبت يوما بعد يوم حجم الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة، تؤكد ان الاوضاع لا تسير نحو الافضل بقدر ما تسوء الاوضاع يوما بعد يوم، فمنذ عام 2011 ظل الوضع الاجتماعي بتونس هش نتيجة طبقة سياسية تغافلت عن هذه الاوضاع واختيارها لمنوال تنمية اثبت فشله مع نظام بن علي، ورغم ذلك تصر الطبقة الحاكمة التونسية على اتباعه.


مخاوف من فوضى الجياع


اما خالد عبيد الاكاديمي المختص في التاريخ السياسي، فاكد في حديثه ل ان 2018 كانت سنة صعبة للغاية على جميع المستويات، حيث شهدت ازمة سياسية غير مسبوقة تتمثل في الصراع بين راسي السلطة التنفيذية، مضيفا انه لا يمكن فهم هذه الازمة الا من خلال الرجوع الى النظام السياسي المعتمد في تونس والذي يكاد ينفرد بتقاسم السلطة بين راسين، احدهما منتخب مباشرة من الشعب وهو الذي يعين بطريقة او بأخري راس السلطة التنفيذية والذي له اليد الطولى في السلطة التنفيذية.

واوضح الاكاديمي التونسي انه من خلال هذا الخلل يمكن ان نعتمده لفهم عمق هذه الازمة الغير المسبوقة في البلاد، مشددا ان هذه الازمة سيتواصل تاثيرها الى عام 2019، بالنظر الى الرغبة في التموقع  تحضيرا للاستحقاق الانتخابي عام 2019.
وعليه، يعتقد خالد عبيد ان هذه الازمة ستتصاعد حدتها، ملفتا انها قد تنتهي بعد ان يتوارى احد هذين الطرفين عن المشهد السياسي بتونس.

من جهة اخرى، تحدث الاكاديمي المختص في التاريخ السياسي، ان عام 2018 شهد تجسيما حقيقيا لقطيعة باتة بين الطبقة السياسية وعموم التونسيين، وان مظاهر هذه القطيعة ستتجلى فعلا في استحقاقات 2019 اذا ما تمت فعلا، على حد قوله.
ويعتقد عبيد انه اذا ما تواصل الحال على ما هو عليه، فان العزوف على الانتخابات سيكون اكبر بكثير من العزوف الذي شهدته الانتخابات المحلية في عام 2018، فضلا عن الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد، والتي زجت بالبلاد في حالة افلاس غير معلن. ويمكن من خلال هذا الامر فهم دوافع الاحتقان الاجتماعي المتزايد وتفهم بعض مظاهره في عام 2019، اذا ما عجزت الدولة التونسية عن دفع رواتب موظفيها ومتقاعديها وهو امر وارد جدا، مبديا تخوفه من ان تفضي هذه الاوضاع الى حالة فوضى ما اسماها بفوضى الجياع والعصابات.

ازمة الائتلاف الحاكم

ولا يختلف موقف السياسي التونسي والامين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي عن بقية الآراء الاخرى، اذ اكد في حديثه ل ان عام 2018 لم يحمل بالجديد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بل زاد من حدتهما، مبينا انه على المستوى السياسي عرفت البلاد ازمة داخل الائتلاف الحاكم، مع تواصل منظومة فشل الحكم، وتصاعد موجة الاحتجاجات، داعيا رئيس الحكومة التونسي والائتلاف الحاكم الى تحمل مسؤولياتهم الاخلاقية لبدء حوار جدي مع الناس المنتفضة على سوء الاوضاع الاقتصادية، وخاصة مع الشباب الذي فقد الثقة في الطبقة السياسية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق