سناء العاجي
في المغرب، تم إلقاء القبض على ضابط صف في الجيش المغربي متهم بالمثلية؛ وانتشرت صوره عبر مختلف وسائل التواصل.
المشكلة الأولى التي تطرحها هذه القضية أن المواقع الاجتماعية عجت بصوره، بما فيها صوره داخل مخفر الشرطة (بمعنى أن الأمر يتعلق بصور تملكها عناصر الأمن بشكل حصري) وصورة بطاقة تعريفه الوطنية (وهي تحمل اسم الأم واسم الأب وعنوان السكن) إضافة إلى بطاقة الجيش.
بغض النظر عن موقفنا من المثلية، فالأساسي هنا هو سؤال الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية.
يعاقب القانون المغربي المثلية (وهذه نقطة سنناقشها في الفقرات اللاحقة)؛ كما أن العديد من مكونات المجتمع ترفضها. لكن، هل يعطينا هذا الحق في نشر صور “المتهم بالمثلية” وعنوانه واسم والديه؟ أليس في ذلك دعوة للعنف ضده وضد أسرته؟
ثم، على فرض أن بيننا من يعتبر أنه مذنب، ألا نفكر في أسرة لا ذنب لها ستتحمل العواقب، في مجتمع لا يفرق بين “المذنب” وأقاربه في وصمة العار؟
لعل الدولة، وبدون أن تدري، تشجع على التطرف والإقصاء والعنف. ما معنى أن نلقي القبض على متهم في قضية جنسية، وأن نسرب صوره الخاصة وصور إلقاء القبض عليه وصوره داخل مخفر الشرطة وصور بطاقات تعريفه ومعطياته الشخصية؟ أليس في ذلك تحريض على العنف ضده وضد أفراد أسرته وضد كل مثلي جنسي غيره؟
بالفعل، فقد أمر المدير العام للأمن ببدء تحقيق في تسريب الصور، لكن هذه الواقعة ليست يتيمة للأسف. حدث في السابق أن تم إلقاء القبض على مثليين جنسيين ونقلت قناة تلفزيونية عمومية صورهما (حتى قبل صدور الحكم). كما سبق لوزير حقوق الإنسان الحالي، مصطفى الرميد، حين كان وزيرا للعدل، أن حرض على العنف ضد مفطري رمضان، وهذه أمثلة من نماذج كثيرة تصبح فيها مؤسسات الدولة وسيلة تحريض ضد مواطنين، كل ذنبهم أن لهم خيارات عقائدية أو جنسية مختلفة عن التوجه العام.
في نفس الوقت، فإن مجرد تجريم ممارسات شخصية، هو في حد ذاته تحريض على العنف والتطرف.
كيف تتبنى الدولة خطاب التسامح، بينما تعاقب قانونيا بعض الممارسات الشخصية كالإفطار العلني في رمضان أو المثلية الجنسية أو العلاقات الجنسية الرضائية بين شخصين راشدين؟
في حالة المثلية الجنسية مثلا، لماذا علينا أن نهتم بتفصيل حميمي لشخص آخر، تفصيل يفترض أنه لا يعنينا، لمجرد أننا نعرف أنه مثلي؟ هل تتصور الدولة ومؤسساتها وهل يتصور المواطنون أن الحرية الجنسية وخروج المثليين للعلن سيؤثر على غير المثليين في حياتهم الجنسية؟ هل مثلا سيستيقظ شخص غيري غداة إلغاء التجريم ليقرر أنه أصبح مثليا؟ هل سيفرض المثلي على غيره أن يصبح مثليا؟ ثم، وهذا الأهم، هل يلغي التجريم وجود هذا الاختيار الشخصي بيننا؟
المثلية ليست جريمة ولا جنحة ولا مرضا. المثلية توجه جنسي حر لا تصنفه المنظمة العالمية للصحة كمرض. بل وحتى على فرض أنه مرض، وكما يقول كاتب مقال “المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة!؟”، هل نعاقب الشخص الذي نعتبره مريضا؟ هل ندخله السجن؟
الاختيارات الدينية والجنسية للأفراد، طالما لا تعتدي على اختيارات الآخرين، لا يمكن منطقيا وحقوقيا وإنسانيا أن تكون موضوع تجريم قانوني.
لا يمكن أن نفرض الإيمان على شخص، ولا يمكن أن نفرض عليه اختيارات جنسية معينة لا تناسب انتماءه الجنس الحقيقي، كما لا يمكن أن نعاقب أشخاصا راشدين (مثليين كانوا أم لا) على ممارساتهم واختياراتهم الجنسية (ما لم يتعلق الأمر باستغلال جنسي وعنف وابتزاز أو استغلال للأطفال).
في نفس الوقت، علينا أن ننتبه كثيرا لبعض الممارسات الإعلامية التي ترافق التطورات المجتمعية والتكنولوجية، والتي تضع جانبا كل البعد الأخلاقي للمهنة، لتقتات من الفضائح ومن خصوصيات الأفراد.
الحرة