حازم الأمين
مطلع العام 2019، لبنان بلا حكومة. لا معنى لهذه العبارة، ولا جديد فيها. ثمة تسليم ضمني بهذه الحقيقة بصفتها قدرا، وسرا لا أحد يملك أن يفسره. فبعد فشل المسرحية الركيكة والسمجة لـ”النواب السنّة”، بدأ تسريب شرط جديد لتشكيل الحكومة في لبنان. التطبيع الكامل مع النظام السوري. هذا هو الشرط الجديد. بيان وزاري يتضمن هذه الرغبة، وربما يتضمن استعدادا للمشاركة في “إعادة إعمار سوريا”.
في لبنان قوة تستطيع تعليق كل شيء بانتظار الالتزام بشروطها. سلطة موازية تفوق السلطة، قادرة على التحكم بكل شيء. “حزب الله” الذي ما إن وقف أمينه العام حسن نصرالله على المنبر وطالب بتمثيل حلفائه من النواب السنّة حتى كان له ما أراد. تشكّل تكتل نيابي غرائبي، أعضاؤه غير منسجمين وينتمون إلى كتل أخرى. لا بأس فالسيد أراد ذلك، وليكن له ما يريد ما دامت المهمة تعطيل تشكيل الحكومة. عشنا أشهرا في ظل هذه المسرحية. ولُبي طلب نصرالله. لكن السيد استيقظ على شروط جديدة. لا حكومة، ولا أحد يعرف السبب الحقيقي. مسرحية النواب السنّة انتهت على نحو هزلي. ولم تلبِ مهمة التعطيل.
الأرجح أننا سنكون اليوم حيال شرط التطبيع مع النظام السوري، والأرجح أن هذا الشرط لن يكون نهائيا، ذلك أن التطبيع قائم مع هذا النظام وعلى مختلف مستويات السلطة، مع استثناء بعد رمزي هو رئيس الحكومة سعد الحريري. على مستوى رئاسة الجمهورية ثمة تطبيع مع هذا النظام وعلى مستوى وزارة الخارجية أيضا، وعلى مستوى الأجهزة الأمنية.
إذا علينا أن ننتظر ما بعد شرط التطبيع. علينا أن ننظر حولنا. العراق بلا حكومة أيضا، وينتظر اكتمال مشهد العقوبات على طهران. لماذا لا ننقل أنظارنا إلى هناك إذا؟ “حزب الله” ممسك بكل شيء ويتولى في الوقت نفسه تعطيل تشكيل الحكومة! من المفترض أن تكون هذه حكومته، فهي الحكومة الأولى التي يملك فيها مع حلفائه غالبية الوزارات.
يقول المنطق إن “حزب الله” يعطل تشكيل حكومته. سعد الحريري تفصيل في التشكيلة العتيدة، وسمير جعجع أقل تأثيرا من الشريك المسيحي الأكبر جبران باسيل. هذا المشهد يدعو فعلا إلى الريبة.
فعدم تشكيل الحكومة ينذر بانهيار اقتصادي يتحدث الجميع عنه. وعدم تشكيلها يعني للوهلة الأولى فشل “حزب الله” في تنظيم صفوف حلفائه. وهنا علينا أن نسأل ما إذا كان انهيار الوضع الاقتصادي ينعكس سلبا على الحزب وعلى موقعه في منظومة الهلال الشيعي المنعقدة من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق.
ربما كان الانهيار الاقتصادي غير مضر في مساعي طهران للالتفاف على العقوبات. في بغداد ثمة كلام مشابه، والتعنت في تعطيل تشكيل الحكومة في بيروت يدفع نحو هذا التساؤل. الشرط الجديد شديد الغرابة. التطبيع مع النظام السوري قائم، ولم ينقطع يوما وهو اليوم في ذروته. إذا هو شرط مشابه لشرط النواب السنّة، وكما ذوى هذا الشرط على نحو هزلي، الأرجح أن يذوي الشرط الجديد وعلى نحو أشد هزلية.
الثابت حتى الآن هو أن “حزب الله” لا يريد حكومة في لبنان. الفراغ يناسبه أكثر. هذه حقيقة وليست استنتاجا، وهنا علينا أن نغرق في مساعينا لتفسير هذه الرغبة.
هناك مؤشران يمكن أن نقيس عليهما رغبة الحزب في إبقاء لبنان في الفراغ. المؤشر الأول احتمالات الحرب مع إسرائيل، وهو ما يبدو ضعيفا بعد الاختبار الأخير، والمؤشر الثاني الالتفاف على العقوبات الأميركية التي يبدو أنها ستطال الحزب وربما تصبح جزءا من أنظمة وقوانين المصارف اللبنانية في علاقتها مع الحزب ومع الكثير من المؤسسات الاقتصادية اللبنانية.
شرط التطبيع مع النظام السوري واهٍ، وقبله شرط تمثيل النواب السنة كان واهيا. إذا ما يلوح اليوم هو رغبة الحزب بحكومة تقبل بأن تكون واجهة شبه علنية في مواجهة العقوبات. اختناق الحزب سيعني اختناق لبنان. واستثناء لبنان من العقوبات على نحو ما استثني العراق سيكون متنفسا للحزب.
هذا تماما ما يعنيه أن يتصدر “حزب الله” الحياة السياسية في لبنان. هذا تماما ما يشير إلى أننا نعيش في “دولة حزب الله”.
الحرة