صحف
الإدارة المدنية تقسم قسائم للفلسطينيين… خلافا لتقاليد الملكية وفلاحة الأرض
ـ رام الله ـ تكتب عميره هس، في صحيفة “هآرتس”، أن حديقة ساحرة تنمو على سطح البيت القديم لعائلة هرشه، في قلب قرية قفين: في دواليب كبيرة ودلاء مليئة بالتراب المخصب، تزرع فهيمة الملفوف والنعناع والفاصولياء والبقدونس والخس. أيضا في أوعية مختلفة زرعت الزهور لكي تسعد بألوانها. كما أن الدرج والمدخل مليئان بالأواني الخضراء: “منذ منعونا من الوصول إلى أرضنا تستثمر كل جهدها في الحديقة على السطح” قال زوجها جهاد.
لقد قصد العام 2002 عندما بدأوا في بناء جدار الفصل الذي هو مثل اسمه: يفصل الفلسطينيين عن أراضيهم. “ما الذي لم نزرعه في أرضنا”، قالت فهيمة والسرور يغمر وجهها، “السمسم، الذرة، البقدونس بين أشجار الزيتون، البطيخ والشمام والخيار”. الآن كل ذلك أصبح من الماضي لأن هذه زراعة بحاجة إلى التواجد والاهتمام اليومي. في حين أن بوابات الدخول عبر جدار الفصل في قفين مفتوحة لثلاثة أيام في الأسبوع. هكذا بقيت لنا فقط أشجار الزيتون وما تعطينا إياه من الزيت والزيتون. خلال هذه السنين حصل جهاد وفهيمة على تصاريح من الإدارة المدنية للدخول إلى أرضهم. في الأصل كانت الأرض مسجلة باسم الجد، وبعد موته في 1979 اتفقوا في العائلة على أن والد جهاد وأعمامه يحصلون على القسيمة المقصودة. وبعد موت الأب نفسه في 1987، انتقلت الأرض إلى جهاد وزوجته وأبناء العم. وبعد إقامة جدار الفصل طلبوا وحصلوا على تصاريح دخول إلى أرضهم من دائرة التنسيق والارتباط في الإدارة المدنية (الخاضعة لوحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق في وزارة الأمن).
لسبب ما فان سريان مفعول التصريح الأخير لجهاد هرشه كان لسنة وليس لسنتين، وهو ينتهي في تشرين الأول 2017. كذلك، وبصورة غريبة، كان تصريح من نوع “عمالة زراعية”، الذي يعطى للعاملين في الأرض وليس “تصريح زراعة” والذي يعطى لأصحاب الأرض.
الخرائط تغيرت
منذ انتهى مفعول التصريح، قوبلت طلبات هرشه بتجديده بجدار منيع: إما تم رفضها بدون مبرر أو لم تتم الإجابة عليها. ولم يفهم هرشه ما الذي يحدث. في نهاية 2017 حصلوا على تصريح “دخول لأغراض شخصية” إلى منطقة التماس، وشاهدوا ما الذي يحدث للأرض عندما لا يوجد من يهتم بها. “الأعشاب نمت في الأرض بين الأشجار، وأصبحت مثل الحرش”، قالت فهيمة.
في حزيران 2018 رفضت ادارة التنسيق والارتباط طلب جهاد وفهيمة الأخير للحصول على تصريح بذريعة أن “الأرض غير موجودة في منطقة التماس. ماذا جرى؟ فجأة الخرائط تبدلت؟ الأرض تحركت من مكانها وانتقلت إلى الجانب الآخر؟ الزوجان ليسا وحدهما. 72 في المئة من طلبات الحصول على التصاريح الزراعية في 2018 رفضت، حسب معطيات الإدارة المدنية. الزوجان استنتجا أنه لا يمكنهما مواجهة ذلك وحدهما مع بيروقراطية الجدار. فتوجها إلى جمعية “موكيد” للدفاع عن الفرد، التي بدأت طواقمها بعدة مراسلات واتصالات هاتفية مع ادارة التنسيق والارتباط.
طاقم موكيد الخبير في تعليمات أنظمة أوامر منسق أعمال الحكومة في المناطق لشؤون منطقة التماس، يعرف ما لا يعرفه الزوجان هرشه، وهو أن لهما الحق في التوضيح والاعتراض، وبعد ذلك الحق في الاستئناف. هذا عندما يكون الرفض ليس لأسباب امنيه، بل بسبب “المعايير” (المعايير التي وضعها منسق أعمال الحكومة في المناطق للدخول إلى الأرض).
لقد تم تقديم طلبات للتوضيح والاعتراض – بكل تعريفاتها ومراحلها البيروقراطية المرهقة – وهذه لم تتم الإجابة عليها أو أجيب عليها بتأخير كبير. إلى أن ردت نائبة قائد الممثلية في مكتب ادارة التنسيق والارتباط في طولكرم في 2018، بما يلي: “لقد تم رفض المذكور بعد فحص عميق لطلبه وتبين أنه لا يستحق الحصول على تصريح لأنه لا يفي بالمعايير (القطعة مساحتها صغيرة، 157 متر مربع)”. وسألت فهيمة وهي تضحك: “كيف تقلصت الأرض فجأة”. ظهرها وأيديها يتذكرون جيدا أن الأرض التي فلحوها لم تكن أبداً صغيرة.
الأرض تقلصت يا فهيمة لأن هذا ما تذكره كراسة التعليمات: الإدارة المدنية التي تنفذ سياسة الحكومة في المناطق ترفض كل تقاليد الملكية والفلاحة الجماعية للفلسطينيين، وتجزئ قسائمهم حسب الحصة النسبية في اراضي العائلة لكل طالب تصريح. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قرر خبراء الزراعة في الإدارة المدنية بأن القسائم الأقل من 330 متر لا تستحق الفلاحة.
وجاء في الكراسة أيضا: هناك أمر يقول إن “مساحة الأرض هي حاصل ضرب المساحة الكلية لقطعة الأرض بنسبة الملكية النسبية لطالب التصريح”. أمر آخر يقول إن “ليس هناك حاجة للزراعة عندما تكون مساحة الأرض التي يريد الشخص التصريح لدخولها، صغيرة لا تزيد عن 330 م2. ولكن في حالات استثنائية ولذرائع يتم تسجيلها، يحق لرئيس ادارة التنسيق والارتباط إعطاء تصريح زراعي لقطعة ارض مساحتها صغيرة”. أي أنه لا يتم إعطاء تصريح لـ “عمالة زراعية”، مثلا لأولاد طالب التصريح الاستثنائي أو لزوجته.
من اجل الحصول على تصريح للعودة لفلاحة الأرض، التمس جهاد هرشه للمحكمة اللوائية للشؤون الإدارية بواسطة “هموكيد”. والى حين إجراء النقاش القانوني في شهر شباط، سيتخيل هو وزوجته الأعشاب البرية التي ستنمو على أرضهم على بعد 3 كم عن البيت.
لقد سبق الحديث مع جهاد وفهيمة، لقاء مع إبراهيم عمار. بيته خارج مركز القرية، وحول البيت توجد قطعة ارض صغيرة، ربما 150 م2، وربما 130 م2، وهي تدل على أنه حتى قطعة صغيرة يمكن أن ينمو فيها كل شيء عندما يتم الاعتناء بمزروعاتها كما يجب. القليل من كل شيء جيد: جوز البقان وموز ينمو في طرف من أطراف القطعة الصغيرة، وكذلك الأفوكادو الناضج، الذي حاول إقناعنا أخذ شيء منه.
في آذار 2018، حصل هو وابنه خليل على تصاريحهما الحالية لدخول أرضهما، فقط بعد تدخل “هموكيد”، بعد عشرة أشهر من عدم تجديد تصاريحهما. خلال هذه الأشهر العشرة، ” مرضت بسبب الإحباط”، قال.
“لقد نمت الأعشاب الضارة على ارتفاع قامة الإنسان. ذات مرة أجابوني في مكتب الارتباط والتنسيق بأن لدي فقط 60 م2”، قال بصوت عال وهو غاضب وحزين، وهو يسترجع العقبات التي واجهته منذ العام 2002، بما فيها مناكفات مع ضباط الإدارة المدنية ومع جنود يفتحون ويغلقون البوابات. في أيلول 2017 عندما لم يكن معه تصريح طوال أربعة أشهر، أجابه ضابط شكاوى الجمهور في الإدارة المدنية، هو وابنه، بأن طلبهما رفض لأن أرضهما لا تقع في منطقة التماس.
هذا الفيلم شاهداه من قبل. ففي 2011 و2013 طرحت الإدارة المدنية ادعاء أن أرضهم لا تقع في منطقة التماس. وعندها التمس “هموكيد” للمحكمة العليا باسمهما. في أعقاب الالتماس تجول موظفو الإدارة المدنية في قطعة الأرض التي تقع في قفين، وقاسوا وفحصوا وصادقوا على أنها تقع في نفس المكان الذي وجدت فيه دائما، قبل إقامة جدار الفصل. وتم إعطاء التصاريح له ولابنه وإلغاء الالتماس. وها هي تمر بضع سنوات والقصة تبدأ مجددا، وكأنه لا توجد حواسيب في العالم تتذكر كل التفاصيل. الالتماس الذي قدمه “هموكيد” للمحكمة العليا، حل هذه المعضلة، وتم إعطاء التصاريح له ولابته، لمدة سنتين.
مثل الزوجان هرشه، وبسبب البوابة المفتوحة لثلاثة أيام في الأسبوع فقط، تنازل عمار، أيضا، عن المزروعات التي تحتاج إلى عناية دائمة مثل الخضروات، أيضا حسب رأيه يبرز الحزن على الأيام التي زرع فيها البطيخ والسمسم في الأرض بين أشجار الزيتون واللوز. عمار وهرشه في الستينات من أعمارهما، هما ليسا بحاجة إلى تصاريح دخول شخصية إلى إسرائيل، ويمكنهما الدخول إليها عبر المعابر الخاصة بالفلسطينيين، مثل المعبر الواقع بين الطيبة وطولكرم. ولكن محظور عليهما التمتع بحرية الحركة التي يمنحها لهما عمرهما من اجل الوصول إلى أرضهم الخاصة وأراضي قريتهم، التي سجنت بين جدار الفصل والخط الأخضر. الدخول بدون تصريح عسكري إلى منطقة التماس، أي إلى أراضيهم، مسموح فقط للإسرائيليين والسياح.
من سطح بيت هرشه وسطح بيت عمار تظهر مستوطنة حريش، أم القطف، كيبوتس نيتسر وكفار ميسر. “حريش بنيت على اراضي كانت لنا قبل العام 1948″، قال عمار، “اسمحوا لي فقط بمواصلة فلاحة الأرض التي بقيت لنا”.