ـ الجزائر ـ من نهال دويب ـ يبدو أن الجدل حول رأس السنة الأمازيغية في الجزائر لم ينته بعد رغم توقيع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم 27 كانون الأول / ديسمبر الماضي على مرسوم رئاسي يقضي باعتبار رأس السنة الأمازيغية الموافق لـ 12 كانون الثاني / يناير عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر, ويعيش الجزائريون اليوم وعشية الاحتفال بذكرى “يناير” على وقع جدل جديد بعد تعالى أصوات تحرم الاحتفال بهذه الذكرى مستندة في ذلك على مبررات وحجج دينية.
وفي وقت يستعد قطاع عريض من الجزائريين لاستقبال هذه المناسبة, أصدر رئيس لجنة الإفتاء في جمعية العلماء المسلمين فتوى بتحريم الاحتفال معتبرا أن ذلك غير جائز وهو من عادات الجاهلية.
وقال الشيخ بن حنفية إن ” الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الذي يوافق 12 جانفي/ كانون الثاني، ويسمونه يناير، ويروجون له إعلاميا، أن أحد ملوكهم انتصر على أحد ملوك مصر، ويخصصون لذلك طعاما وفواكه معينة، لا يجوز الاحتفال به، وأنه تبعا لذلك، لا يجوز كذلك الاعتماد على الحساب الشمسي، دون الحساب القمري”، مضيفا أن “الاحتفال به غير جائز… وأنه يضار بأعياد المسلمين، عيدي الفطر وعيد الأضحى”.
واستند المتحدث في فتواه على آيات وأحاديث شريفة تؤكد على ضرورة اعتماد الحساب القمري.
ومباشرة بعدها نشر الشيخ أحمد حاج عيسى الجزائري، المعروف في الأوساط السلفية في الجزائر، فيديو يتضمن محاضرة ألقاها بمسجد العتيق في محافظة تيزي وزو عام 2012 حول حكم الاحتفال, وكان أبرز ما سلط عليه الضوء محمد حاج عيسى الجزائري دكتور في الفقه وأصوله, أن عيد يناير أساطير وأكاذيب ودعوة إلى الجاهلية الوثنية.
وعلق أحد الحقوقيين على هذه الفتاوي قائلا “يناير كان بداية سنة فلاحية لأجدادنا, كان يناير عيدا جميلا ورائعا وجليلا في معناه تحتفل به أغلب العائلات الجزائرية منذ العصور القديمة قبل أن تلصق به الخلفيات السياسوية والأيديولوجية”، وأضاف “الاحتفال بيناير لا يخص منطقة معينة، بل كل الجزائر الشاسعة من تلمسان الى تبسة، و من الجزائر العاصمة الى تمنراست اقصى جنوب البلاد, وتمثل هذه الاحتفالات عادات وتقاليد وتراث الأجداد، فهو مرتبط بالسنة الفلاحية، لأن أجدادنا كلهم كانوا يشتغلون في الفلاحة، و كانوا يحتاجون لرزنامة محددة لضبط برنامجهم الفلاحي، حيث يمثل هذا التاريخ آخر أجل لحرث الأرض و بذرها، و كانوا يعتقدون بأن الأمطار إذا تهاطلت قبل يناير، فهذه بشرى لموسم فلاحي ناجح، والعكس إذا لم تتساقط قبل هذا التاريخ”.
رأس السنة الأمازيغية لدى أمازيغ الجزائر بـ”يناير” أو “ينار”، وهو كلمة مركبة من “ين” وتعني واحد ” و “ير” تعني الشهر الأول، وبالأمازيغية “يناير” هي “إخف أوسقاس”، تختلف طقوس الاحتفال به من منطقة إلى أخرى كذبح “الديوك البلدية” أي تلك التي” تربى في البيوت، وإقامة الوزيعة في “الدشور” أي القرى، وهي جمع المال من السكان وشراء رؤوس الأبقار وتوزيع لحمها بالتساوي، بينما يحلق شعر المولود الرضيع وتخصص له أجمل الثياب ويوضع داخل قصعة كبيرة لترمي فوقه، جدة المنزل مزيجا من الحلويات والمكسرات.
ويتضمن الاحتفال بإحياء تقاليد تختلف من منطقة لأخرى، كتحضير أطباق ومأكولات خاصة، أبرزها “الكسكسي” و “الشخشوخة” التي تشبه الرقاق الخليجي، و “الرشتة” هي قطع رقيقة من العجين يتم طهيها على البخار مع مرق الدجاج وأنواع من الخضار والفواكه المجففة.
ومن أشهر مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في الجزائر التي حاولت “” نقلها إلى قرائها في الوطن العربي، عادات أصيلة يتداولها الأجيال في منطقة “زبوجة” الواقعة على بعد 25 كلم شمال شرق محافظة الشلف, في قلب جبال الظهرة، وهي سلسلة جبلية طويلة تمتاز بسهوبها وغاباتها وهضابها وشواطئها وتبلغ مساحتها ما يقارب 200000 كلم أي ما يقارب عشر الجزائر، هنا في هذه المنطقة تعكف النساء عشية الاحتفال بـ”يناير” على تحضير طبق “الكسكس بالبيض” وأيضا “البغرير” ( طبق منتشر بكثرة في الجزائر اسفنجينة يحضر بالسميد والماء) وأيضا رمى الحلوى على الأطفال، وتقول في الموضوع السيدة خيرة إحدى القاطنات في منطقة “زبوجة”: “نصنع هذه الحلوى كي يأتي العام جميلا وحلوا, ونصنع الكسكس على شكل قبة نحو الأعلى ليأتي العام جميلا أيضا، ونصنع القمح والشعير ونصنع الفول، نطحن القمح، و نصنع الخبز و المثقبة، بالشعير نصنع الحامظة (خبز الشعير)، و نصنع الدشيشة بهم”.
وبدأت مظاهر الاحتفال في بعض القرى تأخذ أبعادا جديدة، ففي قرية بني أورتيليان الواقعة في شرق الجزائر العاصمة، نظمت جمعيات مدنية وسكان المنطق مسابقة لأنظف قرية أمازيغية في منطقة القبائل ببجاية وسطيف.
وشارك سكان قرية بني أورتيليان في هذه المسابقة من خلال تنظيف الشوارع ورسم لوحان على الجدران بألوان احتفالية ورموز أمازيغية.