أقلام يورابيا

نظرية المؤامرة القاتلة للتقدم والرقي

كيرلس عبد الملاك

كيرلس عبد الملاك

حالة من الفشل والخمول تنتاب ذاك الإنسان الذي يسلم عقله لنظرية المؤامرة بحثا عن الهروب من الحقيقة، تلك النظرية التي تعتمد اعتمادًا كليا على إلصاق جميع الإخفاقات الشخصية بالمؤامرات المحيطة وربما تذهب إلى مؤامرات بعيدة وغير مرئية، وفي حقيقة الأمر لاتوجد مؤامرة على ذلك الإنسان الهارب من الحقيقة إلا ذاته التي سلمها مفاتيح التماس الأعذار وإلقاء الاتهامات جزافيا على الغير طمعًا في إراحة ضميره تجاه الشعور بالفشل.

نعم، مواجهة الحقائق صعبة ومؤلمة لأنها تضع الإنسان أمام نقائصه وإخفاقاته لكنها من جانب آخر تريه الصورة بشكل صحيح، فيستطيع من خلال هذه الرؤية الصحيحة أن يبني مخطط صحي، حقيقي، مناسب له يخرجه من الفشل والخمول ويبعث فيه روح النشاط، والأمل في غد أفضل، بعكس الصورة الخاطئة التي يراها عند تبنيه لنظرية المؤامرة التي تعتبر من قبيل المغالاة فيبني من خلالها مخطط مريض، زائف، غير مناسب يقوده إلى التعقيد بالأكثر ومن ثم إلى الانحدار.

نظرية المؤامرة تعد معادلة رئيسية في الدول العربية يستخدمها جزء ليس بقليل من العامة في حياتهم الخاصة باللجوء إلى مفاهيم ملتوية من قبيل الشعوذة والخرافات، كما تستخدمها بعض الحكومات أيضا حتى تبرر فشلها فتستطيع أن تخلق لها إطار شعبوي يحولها من صورة الفشل “الحقيقية” إلى صورة البطولة “المزيفة”، لا شك في أن تلك النظرية تغلق الطريق المؤدي إلى النجاح بل يمكن أن تقتل التقدم والرقي إذا وجدا لأنها تعمي العيون عن النظرة الصائبة للحالة الراهنة.

تآمر الدول الغربية على الدول الإسلامية لإهلاكها وتخريبها ضمن أشهر تطبيقات نظرية المؤامرة في الدول العربية، وأصحاب هذا الاعتقاد لا يلتفتون إلى أن الدول الغربية تصرف مليارات الدولارات لإعانة الدول العربية على الصمود وعدم الخراب في مواجهة التحديات السياسية والمجتمعية، لأن خراب هذه الدول العربية إذا حدث سوف يخلق للغرب أزمات مخيفة على رأسها أزمة اللاجئين، وانتقال أشخاص ذوي أفكار متطرفة إلى بلدانهم هربا من ذاك الخراب، وهذه من الأسباب الرئيسية التي تدفع حكومات الدول الغربية لتأييد الديكتاتوريات العربية خوفا من نتائج كارثية يمكن أن تنتج عن عدم تأييدها، لكن الغرب مخطيء في هذا الدعم لأن الديكتاتورية مهما استمرت لن تجني إلا الخراب إن عاجلا أو آجلا ولا يوجد دليل على ذلك أكثر من التحركات الشعبية المسماة بثورات الربيع العربي، ولكن من جانب آخر لا يمكن للدول الغربية أن تفعل أي شيء لإنقاذ الشعوب من الديكتاتورية ما لم ترد هذه الشعوب إنقاذ نفسها لصناعة مستقبلها المشرق.

من المنطقي أن نعتبر أي دولة في العالم باحثة عن مصلحتها وتحاول أن تكون الأفضل لكن لا يحدث هذا بتخريب الدول الأخرى خاصة وأن هذه الدول الأخرى تعاني بالفعل من ملوثات فكرية ونفسية نابعة من ثقافتها الدينية والقبلية الخاصة، هذه الكفيلة بتخريب العالم أجمع وتحويله إلى غابة مؤججة بالنيران.

من المحتمل وجود مؤامرات تجاه الأشخاص أو الدول على حد سواء، لكنها ستكون مرهونة بمدى تمسك الكيان المعرض للمؤامرات بالنجاح، فإذا وضع الإنسان أو وضعت الدولة النجاح هدفا بخطط مدروسة وإرادة شعبية ومؤسسية لن تكون هناك مؤامرة بل ستكون المؤامرة ضمن دوافع وأسباب النجاح، وهذا يؤكد أن تبرير الفشل الدائم بالمؤامرة الداخلية أو الخارجية محض افتراء وادعاء مخالف للواقع.

أكثر  الشعوب تحضرًا وتقدمًا لا توجد في قواميسهم التبريرية نظرية المؤامرة، فالعمل والاجتهاد والمحاولات الدؤوبة هي المسلك الوحيد لهم لمقاومة الفشل وهذا ما أوصلهم للنجاح الحقيقي الدائم المبنى على الواقع بدون تزييف أو تجميل وجعل منهم نماذج مثالية للناجحين عبر التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق