السلايدر الرئيسيتحقيقات
إقحام ليبيا بعد سوريا في السجال اللبنانيّ حول قمّة بيروت المرتقَبة… والهدف يتراوح بين التعطيل والتأجيل!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ بعدما كان السجال الداخليّ اللبنانيّ حول القمّة الاقتصاديّة العربيّة المقرَّر انعقادها في العاصمة بيروت يوم العشرين من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري قد أفضى خلال الأيّام القليلة الماضية إلى ظهورِ معادلةٍ مؤدّاها أنّ “لا تشكيلةً حكوميّةً ستُبصِر النور من دون قمّةٍ ولا قمّةً ستنعقِد في موعدها من دون سوريا”، جاءت الأنباء التي تحدَّثت البارحة عن إقحام ليبيا في صُلب هذا السجال لتزيد من ضبابيّة الموقف أكثر من ذي قبل، وذلك على خلفيّة ما تمَّ الترويج له من تسريباتٍ بخصوص اعتزام مناصري “حركة أمل” تنظيم احتجاجاتٍ شعبيّةٍ بغية إقفال الطرقات المؤدِّية إلى مطار رفيق الحريري الدوليّ ومنع أعضاء الوفد الليبيّ من دخول الأراضي اللبنانيّة للمشاركة في فعاليّات القمّة، وهي التسريبات التي تزامَنت مع إعلان تلفزيون “إن بي إن” عن اعتزامه مقاطعة التغطيات الإعلاميّة لتلك الفعاليّات، وكذلك مع إعلان المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى عن اعتزامه عقد اجتماعٍ طارىءٍ اليوم الجمعة برئاسة رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان من أجل بحث تداعيات دعوة ليبيا للمشاركة في قمّة بيروت، والتأكيد على الثوابت الوطنيّة في متابعة قضيّة اختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقيه، ناهيك عن أنّها تزامَنت أيضًا مع دعوةٍ وجَّهتها عائلة الإمام المغيَّب إلى المعنيّين للامتناع عن أيِّ تطبيعٍ مع الدولة الليبيّة قبل تعاونها في ملفّ هذه القضيّة وتنفيذها لمذكِّرة التفاهم الموقَّعة بين البلدين بخصوصها.
ولعلّ أكثر ما يبدو لافتًا في سياق هذه التطوُّرات المتسارعة هو أنّ إعادة تحريك قضيّة الإمام الصدر بهذا القدْر من الزخم تمَّت بعيْد قيام وزير العدل اللبنانيّ سليم جريصاتي بتوجيهِ رسالةٍ إلى رئيس هيئة التفتيش القضائيّ القاضي بركان سعد بشأن وجوب النظر في ظروف استمرار توقيف هنيبعل القذّافي، نجل العقيد الليبيّ الراحل معمّر القذّافي، للعام الرابع على التوالي، وهي الرسالة التي كانت “” قد أشارت إلى فحواها والأهداف المرجوَّة منها نهار أمس الخميس، قبل أن تُصدِر عائلة الإمام المغيَّب بيانًا لفتَت فيه إلى أنّ “مقولة أنّ هنيبعل القذّافي الموقوف في بيروت منذ أربعِ سنواتٍ كان طفلًا عام 1978 مجرَّد ذرِّ رمادٍ في العيون”، موضحةً أنّ “أحدًا لم ينسب إليه دورًا في جريمة الخطف آنذاك، لكنّه شبّ وأصبح مسؤولًا أمنيًّا في نظام والده الحديديّ الذي استمرّ 42 سنةً حتّى سقوطه عام 2011″، وكذلك قبل أن تعبِّر مصادرُ في وزارة الخارجيّة اللبنانيّة عن استغرابها لإثارة موضوع رفض دعوة ليبيا إلى حضور القمّة، قائلةً ما حرفيّته: “بالنسبة لنا، الإمام موسى الصدر هو إمام لبنان وإمام العروبة، لكنْ يُفترَض بعد أربعينَ سنةً من تغييبه التعاطي بطريقةٍ وذهنيّةٍ مختلفتين مع موضوع تغييبه، فالمسؤول عن تغييبه قُتِل وحوسِب في الدنيا أشدّ حسابٍ وهو سيُحاسَب في الآخرة أشدّ حسابٍ، وقد سقط القاتل وسقط نظامه وحاشيته، وهناك مصلحة للبنان بالتعاطي مع الموضوع بطريقةٍ مختلفةٍ بحيث لا تصبح هناك عدائيّة ضدّ الشعب الليبيّ كلّه”.
وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ كافّة هذه التطوُّرات المتسارعة تندرج مجتمِعةً في سياق المحاولات التي يبذلها كلٌّ من رئيس مجلس النوّاب اللبنانيّ نبيه برّي و”حزب الله” وجميع مكوِّنات “فريق 8 آذار” من أجل تسجيل نقطةٍ لصالح نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد في مرمى جامعة الدول العربيّة، حتّى ولو أنّ طريقة التسجيل تبدو مخالِفةً تمامًا لتوجُّهات رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الذي سُجِّلَ له خلال الأيّام القليلة الماضية، كما العادة، الكثير من المواقف البراغماتيّة حيال الأزمة الحكوميّة الراهنة ومعضلة دعوة سوريا إلى قمّة بيروت وتأثيرات العوامل الإقليميّة في الأوضاع الداخليّة اللبنانيّة، فإنّ التوجُّس يتركَّز في الوقت الحاليّ على المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك المحاولات في مجال تعطيل دورة الحياة السياسيّة الطبيعيّة في البلد، خدمةً للعوامل الإقليميّة على حساب المصالح المحلّيّة، سواءٌ بالنسبة إلى احتمالات ولادة التشكيلة الحكوميّة المتعثِّرة في المستقبل القريب أم بالنسبة إلى تجاوُز قطوع انعقاد القمّة الاقتصاديّة في موعدها المقرَّر من دون مشاركة سوريا، علمًا أنّ مصادرَ وزارة الخارجيّة في بيروت أكَّدت البارحة على أنّ لا تأجيل لهذا الموعد، مشيرةً إلى أنّ “دعوة سوريا إلى القمّة تحتاج إلى توافُقٍ سياسيٍّ داخليٍّ غيرِ موجودٍ وإلى إجماعٍ عربيٍّ غيرِ متوافِرٍ حاليًّا”، وداعيةً إلى “وقف المزايدات السياسيّة وتسجيل المواقف حول هذا الأمر لأنّها مضرَّة لسوريا وللبنان” على حدٍّ سواء.
أمّا بالنسبة إلى مشاركة ليبيا، فقد انتهى اجتماع المجلس الاسلاميّ الشيعيّ الأعلى ظهر اليوم الجمعة بالمطالبة بـ “عدم دعوة الوفد الليبيّ للقمّة الاقتصاديّة ومنع حضوره”، وبتحميل السلطات اللبنانيّة “مسؤوليّة التقاعُس عن القيام بواجباتها في هذه القضيّة”، ناهيك عن التأكيد على الالتزام بـ “ثوابت قضيّة اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه باعتبارها قضيّة وطنيّة وعربيّة”، وكذلك عن التحذير من “تجاهُل ردّات الفعل الشعبيّة التي قد تنتج عن الإصرار على دعوة الوفد الليبيّ”… وحسبي أنّ إشارة المجلس إلى أنّه سيُبقي اجتماعاته مفتوحةً “لمتابعة التطوُّرات واتّخاذ الموقف المناسب” يُفترَض أن تؤخَذ هذه المرّة على محمل الجدّ… والخير دائمًا في المبدأ القائل إنّ خير الكلام ما قلّ ودلّ من وراء القصد.