السلايدر الرئيسيشرق أوسط
الاحتلال يخطط للبناء على آثار بلدة إسلامية قديمة قرب موديعين يعود تاريخها إلى ما قبل 1200 سنة
فادي ابو سعدى
ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ اكتشف علماء الآثار الإسرائيليون الذين قاموا بالتنقيب بالقرب من مستوطنة موديعين، بقايا بلدة مزدهرة يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية الأولى، قبل حوالي 1200 عام. وكشف المنقبون في البلدة عن منازل فخمة مزينة بالفسيفساء والأقواس وآبار مياه ومعاصر للزيتون وورش للزجاج. لكن عيون معظم الناس لن تشاهد هذه الآثار، لأن سلطات الاحتلال سلمت هذه المنطقة لرجال أعمال، وسيتم تغطية الآثار قريباً، بل حتى تدميرها، لصالح بناء مركز لوجستي جديد لمستوطنة موديعين المجاورة.
وقد أثار قرار سلطة الآثار السماح بالبناء في الموقع، الدهشة لدى علماء الآثار وسكان من المنطقة، الذين يدعون أن السلطات تسارع إلى الموافقة على خطط للبناء حتى عندما يتم اكتشاف آثار قديمة مهمة. وقالت سلطة الآثار ردا على ذلك، إن هناك حاجة إلى تحقيق توازن بين حماية الآثار والأغراض الاقتصادية. ووفقًا للسلطة، في هذه الحالة، تم توثيق الحفريات التي أجريت في الموقع وهي تحافظ على المعلومات المتعلقة بالبلدة القديمة.
وتم العثور على بقايا البلدة في التل المعروف باسم النبي زكريا، وتم اكتشافها في بداية العام الماضي خلال حفريات لإنقاذ الآثار هناك. ويقول أبراهام تندلر، عالم الآثار الذي ترأس فريق الحفريات: “في أعمال التنقيب والإنقاذ لا نعرف أبداً ما الذي يمكن العثور عليه. كنت أتوقع العثور على آثار هيلينستية ورومانية وبيزنطية، لذا فقد فاجأتنا هذه (البلدة التي تم اكتشافها)”.
ويقع التل شمال غرب مستوطنة موديعين وتحيط به كنوز أثرية على طول الطريق القديم المؤدي من يافا إلى القدس. وشملت الاكتشافات السابقة في المنطقة، ديرا بيزنطيا وكهوفا استخدمها الرهبان المتزهدين ومقبرة رومانية.
أما في الموقع الحالي، فقد كشف علماء الآثار العشرات من المباني جيدة التخطيط التي يعود تاريخها إلى القرنين التاسع والحادي عشر للميلاد، خلال فترة حكم الخلفاء العباسيين والفاطميين للمنطقة.
ويثير هذا الاكتشاف الدهشة لأن الباحثين اعتقدوا أن المنطقة المحيطة بمدينة موديعين كانت قليلة السكان خلال فترة الإسلام الأولى، كما يوضح تندلر. وأضاف أن الحفريات التي شملت أربعة دونمات كشفت فقط عن جزء من بلدة كبيرة جدا. ومن التفاصيل المثيرة للاهتمام أن سكان البلدة كانوا، كما يبدو، من المسلمين والمسيحيين.
فقد عثر علماء الآثار على صلبان محفورة على حجارة معاصر الزيتون وأجزاء من نقوش باللغة اليونانية، وهي اللغة المكتوبة التي استخدمها المسيحيون في المنطقة. وقال تندلر إنه تم العثور في أحد المنازل على تذكار مسيحي من رحلة حج، مصنوع من الفخار، ومن المحتمل أنه تم جلبه من مصر.
كما كشف الباحثون عن أوزان زجاجية تحمل نقوشاً عربية. واستخدمت الأوزان لوزن العملات المعدنية بدقة كبيرة، ويبدو أن بعض النقوش تقتبس آية من القرآن. ولم يتم العثور على دلائل تثبت وجود كنيسة أو مسجد، ولكن هناك أدلة كافية على الهوية الدينية المختلطة للبلدة.
وتكتب الصحيفة أن هناك جدل طويل بين الباحثين حول مدى العنف والدمار الذي أحدثه الفتح الإسلامي المبكر للبلاد، وكيف كانت العلاقات الإشكالية بين مختلف المجتمعات. لكن النتائج في النبي زكريا تشير إلى انتقال هادئ بعد أن غزت الجيوش الإسلامية المنطقة واحتلتها من الإمبراطورية البيزنطية في النصف الأول من القرن السابع، كما يقول عالم الآثار عوزي دهاري، النائب السابق لمدير سلطة الآثار الإسرائيلية.
ويقول دهاري، الذي لم يشارك في أعمال التنقيب في النبي زكريا: “عندما جاء المسلمون، تغيرت السلطة، لكنه لم تتغير أمور كثيرة، باستثناء عملية الأسلمة البطيئة لجانب من السكان المسيحيين واليهود”.
وعلى الرغم من عدم اليقين بشأن هوية السكان، لا شك في أن المكان ازدهر في ضوء المجوهرات التي تم العثور عليها، والمنازل ذات الأرضيات الفسيفسائية والسقوف المقببة. ويشير العدد الكبير من المستودعات وورش العمل لإنتاج الزيوت والنبيذ وتصنيع الزجاج والسلع الأخرى إلى أن النبي زكريا كانت بمثابة مركز زراعي وصناعي مهم للقدس والرملة، التي كانت عاصمة المنطقة خلال فترة الخلافة.
وخلال فترة الحملات الصليبية تراجعت البلدة وعادت وازدهرت قليلا في الفترة المملوكية، بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وبعدها تم تركها نهائيا.
وبعد فترتي اليونانيين والرومان، واصل الناس العيش في البلدة، حتى لو لم يجتذبوا الكثير من الاهتمام، كما تقول ماريون ستون، الناشطة من اجل المحافظة على المكان. “لقد تم العثور على الكثير من الأدلة وتم تدمير الكثير من البقايا”. وبما أنه تم العثور على الكثير من المواقع الأثرية في المنطقة، فإنه لا ينبغي السماح ببناء العقارات في المنطقة، كما تقول ستون، التي تطالب السلطات بوقف هدم البلدة وإعداد الموقع للزوار. وقالت: “هذا مكان رائع، وتدمير شيء كهذا يعتبر جريمة” وفق ما أوردت صحيفة هآرتس.