أقلام مختارة

السبايك عندي محروقة

مشعل السديري

مشعل السديري
قبل مدة كنت مع مجموعة من الأصدقاء وغيرهم في رحلة بريّة، وعندما كنا جالسين خلال الظهيرة في ظلال السيارة نتناول القهوة والشاي، إذ بذبابة نشيطة وخرمانة تحط في داخل فنجان مَن كان بجواري، وتفاجأت به يمسك بها بأصبعيه، ثم يغطها ثلاث مرّات ويمصها بشفتيه، قبل أن يطلق سراحها. وعندما شاهد الامتعاض والقرف بادييْن على محياي، زجرني وهو يقول باللهجة الدارجة: إيه بالله عليك يا ولد باريس متقرّف مني؟! ألم تقرأ الحديث الشريف الذي ورد فيه: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء»؟!
الواقع أنني بعد أن سمعت ذلك (أكلت هوا) – أي خرست لمدة أقل من دقيقة – ولكن بحكم أنني دائماً لا أقبل الاستسلام، قلت له: إن الحديث الشريف على عيني ورأسي، ولكنك أنت خالفته. فغضب من كلامي غضبة مضرية، وجلس أمامي على ركبة ونص، قائلاً: كيف تتهمني أنني خالفت الحديث؟! قلت له: لم يأمرك أن تمص الذبابة، فلماذا مصصتها؟!
فردّ عليَّ رداً أضحك الجميع عندما قال: زيادة الخير خيرين. فقلت له مازحاً: إذا كان هذا هو تفكيرك، فلم يكن ناقصاً عليك إلا أن تبتلعها ليزيد لك الخير ثلاث مرّات.
ومن وجهة نظري المحضة؛ فالحديث لا يمكن أن نغفل ما جاء فيه، غير أن هناك سبباً آخر لم يفطن له مصّاص الذبابة، وهو أن الذباب في ذلك الزمن كان كثيراً، والماء واللبن والزاد كانت شحيحة، ولو أن كل من سقطت ذبابة في إنائه دفق ما فيه، لتضور القوم جوعاً وعطشاً.
الآن أثبت العلماء أن أجنحة الذباب قد تحمل بعض المضادات الحيويّة، وقد قال الشاعر قديماً في موضوع آخر لا شأن للذباب فيه: «وداوني بالتي كانت هي الداء».
غير أنني أتساءل بصدق: هل يا ترى منازل مشايخنا الأفاضل تخلو من علب الفليت؟!
ولماذا تجند البلديات والصحة سياراتهما بمواطير البخ لتجوب الشوارع للقضاء على الذباب وغيره؟!
وما دام الكلام يجر بعضه، وقريباً من هذا الموضوع، فقد راهن الخبير السياسي الأميركي سام وانغ على فشل ترمب في الانتخابات الرئاسية، بأنه لو فاز فسوف يأكل حشرة علناً أمام الناس.
وبعد أن فاز ترمب اضطر وانغ إلى أن يأكل على الهواء مباشرة أمام شاشة «CNN»، حشرة كبيرة مغموسة بالعسل.
وكانت ليلة مقرفة بالنسبة للمشاهدين، مثلما هي اليوم مقالتي هذه بالنسبة للقراء، فأرجوكم المعذرة لأن بعض السبايك عندي محروقة.
الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق