أقلام مختارة

الهفوات في أمثالنا الشعبية

خالد القشطيني

خالد القشطيني
يضم تراثنا الشعبي الكثير من الأمثال والأشعار التي ينبغي تصحيحها، بل وقلبها كلياً. وهي إما أن تقادم عليها الزمن وأصبحت مناقضة لحياتنا المعاصرة وإما أنها وُضعت وقيلت خطأً في الأساس.
من ذلك قولنا في العراق: «ما يقدر أبويا غير على أمي». من الواضح أن القول الصحيح يجب أن يكون بالعكس تماماً: «ما تقدر أمي غير على أبويا». فكثير من أمهاتنا لا قدرة لهن على القيام بأي شيء أو التغلب على أي شخص، رجلاً كان أو امرأة. قدرتها الوحيدة محصورة في البيت ومنصبّة على زوجها الذي تذيقه العذاب وتملي عليه كل ما يخطر في ذهنها من أهواء.
أقول مثل ذلك بالنسبة إلى القول المعروف: «مَن زرع حصد ومَن جدّ وجد». كلا الشطرين من هذه الحكمة غير ثابت. ياما وياما ناس زرعوا ثم أخذوهم للخدمة العسكرية وماتوا في الحرب، أو زرعوا ثم اجتاح الفيضان ما زرعوه، أو أكله الجراد أو استولى عليه البعض من أولي الشأن. ومن الواضح أن من يجدّ في عمله في أكثر بلداننا العربية لا يجد شيئاً غير الملامة والخسارة والعسر. اللاهون والعابثون والنائمون هم الفائزون.
يجرّني هذا المثل إلى المثل الآخر الذي تبنّته السلطات العراقية في السبعينات: «مَن لا يعمل لا يأكل». كيف يستطيع الجائع أن يعمل وينتج؟ أما الأكل، فكما نلاحظ اليوم، لا يفوز به إلا المدللون الذين لا يعملون أي شيء. هذا المثل: «مَن لا يعمل لا يأكل» فيه خطأ مطبعي بأداة نفي زائدة. فهو إما أن يكون «من يعمل لا يأكل»، وإما أن يكون «من لا يعمل يأكل». يجب حذف واحدة من اللاءين ليستقيم المعنى.
«كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب الناس». هذا قول فات عليه الزمن بوضوح ويتناقض مع كل ما يرد في الصفحة الطبية عن الآكل. ما من شيء أصبح يهدد حياة الإنسان ودمار المجتمع كالأكل حسب ما يعجبك، لا سيما بعد أن اعتبر الخبراء السمنة من أحد الفرسان الثلاثة في قتل الإنسان: السرطان والسمنة والتدخين. ماذا عن اللبس حسب ما يعجب الناس؟ هذه استحالة تهدّ الأعصاب. فمهما تلبس وتحرص على إرضاء الناس بلبسك فسيكون هناك من يستسخف ذوقك ويعيب مظهرك. لن تستطيع أن تعرف ما الذي يعجب الناس، والناس على كل حال يمشون حسب ذوق الشركات التي بدورها تمشي بذوق مصممي الموضة. أعتقد أن من اللازم تصحيح المثل إلى: «كُلْ ما يعجب الطبيب والبس ما يعجب الشركات».
هناك مثل آخر يقتضي التصحيح في ضوء السياسات العربية الرسمية في السنين الأخيرة. يقول المثل: «أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب». الصحيح كما نعرف جميعاً الآن عما يجري بين الزعامات العربية هو أن يقال: «أنا والغريب على ابن عمي وابن عمي والغريب على أخويا». قول فظيع آخر في مغالطته للواقع: «اللي ما له أهل، الحكومة أهله». هل من تضليل أكثر من ذلك؟! كل تجاربنا في الحياة تعلّمنا أنّ مَن ليس له أقارب ولا حبايب متنفذون في الدولة لا يستطيع أن يحصل على حقوقه ويجعل السلطات تسمع كلامه. وهذا ما جرى في العراق مؤخراً.
الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق