السلايدر الرئيسيتحقيقات

مصادرُ تمويل “حزب الله” إلى الواجهة مجدَّدًا… والاستراتيجيّة الدفاعيّة على “طاولة الحوار” في المستقبل القريب

جمال دملج

ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ على رغم أنّ القلق الذي عبَّرت عنه الولايات المتّحدة الأميركيّة حيال حصول “حزب الله” على ثلاثِ حقائبَ وزاريّةٍ في الحكومة اللبنانيّة الجديدة لا يخرج عن النمط التقليديّ الذي اعتادت واشنطن على انتهاجه منذ إدراج الحزب ضمن قائمة المنظّمات الإرهابيّة الأجنبيّة العابرة للحدود بموجب تصنيف وزارة العدل المعلَن في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) العام الماضي، فإنّ الجديد هذه المرّة يتمثَّل في أنّ تزامُن التعبير عن هذا القلق على لسان كلٍّ من مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي والمتحدِّث باسم وزارة الخارجيّة روبرت بلادينو مع الاستعدادات الجارية على قدمٍ وساقٍ لإنجاح “مؤتمر وارسو” الذي ينعقد بدعوةٍ أميركيّةٍ يوميْ الثالث عشر والرابع عشر من الشهر الحاليّ بمشاركةِ عددٍ من وزراء خارجيّة الدول الأوروبيّة والعربيّة، إضافةً إلى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، بغية مناقشة الملفّات ذات الصلة بالحضور الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط، بات يؤشِّر بوضوحٍ إلى أنّ لبنان لن يكون بمنأى عن تداعيات الكرّ والفرّ الدارِجة في سياق هذه المواجهة الأميركيّة – الإيرانيّة المفتوحة على كافّة الاحتمالات.

وإذا كانت بعض التقديرات قد رجَّحَت خلال اليومين الماضيين فرضيّةَ فشلِ المؤتمر مسبَّقًا، وخصوصًا بعدما أكَّدت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنّ عدم وضوح أهدافه تسبَّب في امتناع شخصيّاتٍ وازِنةٍ مثل المفوَّضة العليا للسياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبيّ فيديريكا موغيريني عن الحضور، فإنّ ذلك لا يُلغي بالطبع وجوب تأهُّب الحكومة اللبنانيّة الجديدة للتعاطي جدّيًّا مع ما سيصدر عنه في المحصِّلة النهائيّة من توصياتٍ ومقرَّراتٍ تتعلَّق بـ “حزب الله” على وجه الخصوص، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الإسرائيليّين الذين يستعدّون للتوجُّه إلى صناديق الاقتراع في شهر نيسان (أبريل) المقبل لا يزالون يبحثون عن ذريعةٍ لاستباق هذا الموعد بالإقدام على مغامرةٍ عسكريّةٍ ضدَّ لبنان، بما من شأنه أن يؤدّي إلى رفع نسبة حظوظ نتنياهو في الفوز، وهي المغامرة التي لا يختلف اثنان على أنّها ستحظى حتمًا بتغطيةٍ أميركيّةٍ كاملةٍ إذا ما قُدِّر لها أن تُصبح شرًّا لا بدَّ منه.

وعلى هذا الأساس، يُصبح في الإمكان التسليم جدلًا بأنّ ما نشرَته مجلّة “ناشيونال إنترست” في عددها الأخير حول مصادر تمويل “حزب الله” يستهدف في الأصل الترويج لتجلّياتِ حربٍ نفسيّةٍ استباقيّةٍ على هامش ما يجري حاليًّا من تحضيراتٍ واستعداداتٍ عبْر وسائل الإعلام، سواءٌ لما سيصدر عن “مؤتمر وارسو” المرتقَب من توصياتٍ ومقرَّراتٍ أم للمناخات المناسِبة لخوض المغامرة العسكريّة الإسرائيليّة المحتمَلة، ولا سيّما بعدما رأت المجلّة أنّ الولايات المتّحدة والدول الغربيّة تقوم بفرض العقوبات الماليّة والاقتصاديّة على الحزب من أجل “ترويضه وتحجيم دوره الذي امتدَّ إلى دولٍ مجاورةٍ” إثر تحوُّله إلى قوّةٍ إقليميّةٍ يُحسب لها حسابٌ في منطقة الشرق الأوسط، كاشِفةً عن أنّه كان قد “تلقّى تمويله الأساسيّ لدى تأسيسه في ثمانينيّات القرن العشرين من إيران، قبل أن يتمكَّن لاحقًا من تطوير مؤسّساته الحزبيّة المختلِفة بشكلٍ جعله قادرًا على تغطية جزءٍ وفيرٍ من تمويله، ناهيك عن ظهور مصادرَ جديدةٍ للتمويل كان هدفها توفير المرونة في الأوقات الصعبة وتخفيف الارتباط الماليّ بطهران، وخصوصًا في السنوات الأخيرة بالنظر إلى العقوبات الدوليّة المفروضة عليها”، وموضِحةً أنّه “استطاع تأسيسَ اقتصادٍ داخليٍّ له في لبنان من خلال أنشطةٍ ماليّةٍ واقتصاديّةٍ، بالإضافة إلى توسُّعه وامتداده إلى الخارج وصولًا إلى أفريقيا وأميركا اللاتينيّة، وأنّ أعماله في الخارج اشتملَت على غسيل الأموال وتجارة البناء والاتّفاقات والتعاقدات وغيرها”، كما أنّ مصادره الرئيسيّة اليوم “تبدأ من المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة علي خامنئي، ومن ثمّ الدولة الإيرانيّة، بالإضافة إلى مصادر الزكاة التي يتمّ جمعها من المسلمين، فضلًا عن عوائد مؤسّساته الداخليّة في لبنان وشبكاته الماليّة الموجودة في الدول والقارّات الأخرى”، وهي المصادر التي اعتبرَت المجلّة الأميركيّة أنّها توفِّر لـ “حزب الله” ميزانيّةً سنويّةً تقدَّر بحوالي سبعمئةِ مليونِ دولارٍ، ويشكِّل الدعم الإيرانيّ ما يُقارب نسبةَ الثمانين في المئة منها.

وبصرف النظر عمّا إذا كان في الإمكان التسليم جدلًا بدقّةِ هذه الأرقام التي أوردَتها “ناشيونال إنترست” أم لا، وخصوصًا في ظلِّ استمرار الترويج لتجلّياتِ الحرب النفسيّة الاستباقيّة الآنفة الذكر ضدَّ “حزب الله”، فإنّ الأمر الذي لا يمكن أن يخضع لمزاجيّة الجدل هو أنّ الحكومة اللبنانيّة الجديدة التي تستعدُّ لنيْل ثقة البرلمان في غضون الساعات القليلة المقبلة يُفترَض أن تأخُذ عمليّات الترويج لتلك التجلّيات على محمل الجدّ، ولا سيّما إذا أضفنا إلى ما تقدَّم أنّ الإصرار الإسرائيليّ الممنهَج على عدم الفصل ما بين الحزب وما بين مؤسّسات الدولة في لبنان، خلافًا للأميركيّين الذين غالبًا ما يتركون هامشًا كافيًا للتحرُّك بمرونةٍ في هذا المجال، لا بدَّ من يستوجب رصَّ الصفوف الداخليّة عن طريق إيجادِ لغةٍ مشتركةٍ للتعاطي مع إرهاصاتِ أيِّ مفاجأةٍ قد تحدُث في أعقاب انتهاء فعاليّات “مؤتمر وارسو”، بما من شأنه أن يساهم في المحافظة على مصالح كافّة الأفرقاء اللبنانيّين… وحسبي أنّ التسريبات التي تحدَّثت اليوم عن اعتزام رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون العمل على إحياء “طاولة الحوار الوطنيّ”، بعد نيْل الحكومة الجديدة ثقة البرلمان، من أجل البحث في الاستراتيجيّة الدفاعيّة ومستقبل سلاح “حزب الله”، هي التي تشكِّل في الوقت الحالي بارقة الأمل الأكثر إشراقًا لبناءِ مستقبلٍ مستقرٍّ ومزدهرٍ في الحاضِر اللبنانيّ المفتوح على كافّة التوقُّعات والاحتمالات، وخصوصًا بعدما كان الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله قد عبَّر الأسبوع الماضي عن مواقفَ إيجابيّةٍ ولافتةٍ بهذا الصدد… وحسبي أن أقول في الختام، كما العادة، إنّ الخير دائمًا في العهد من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق