كيرلس عبد الملاك
تابعت خلال الفترة الماضية محاولات حشد الرأي العام المصري للدفع نحو تعديل الدستور لتمديد فترات وجود رئيس الجمهورية المصري على كرسي الرئاسة، وما تبعها من قيام جهة مجهولة بتسريب مشاهد جنسية مصورة لنائب مُعارض في مجلس النواب المصري على سبيل الفضيحة، بعد أن عبّر عن رأيه برفض تعديل الدستور لتمديد فترات رئيس الجمهورية لما فيه من مخالفة لنصوص الدستور المصري ذاته، وتم تصعيد هذا التسريب إلى القضاء المصري فبات هذا النائب مهدد صراحة لأنه لم يذعن للخط السياسي الراهن الذي رسمه النظام المصري الحاكم بشيء من الجمود والتقديس، فضلا عن ما فعلوه بنائب مصري آخر، معارض لتعديل الدستور، حيث سُربت له مكالمة صوتية وُصفت بأنها مغازلة لامرأة متزوجة، فوُضعت في سياق الفضيحة الجنسية أيضا كما أراد لها مُسربها أن تكون، وكالعادة تقدم أحد المحامين ضد ذاك النائب بدعوى لإسقاط عضويته البرلمانية لافتقاده شرط حسن السمعة، الشرط المفروض على كافة أعضاء البرلمان المصري لاستمرارية عضويتهم داخله، كما تقدم محامي آخر ضد نفس النائب ببلاغ يدّعي فيه جمعه بين راتبين بخلاف القانون.
مثل هذا الأسلوب الهابط في إدارة الدولة المصرية يدل على أننا أمام أزمة سياسية عويصة في مصر سببها هو أن قيادات الدولة لا ترى غضاضة في تسريب الفضائح أو تلفيق الجرائم أيهما أقرب في سبيل استعباد المناخ العام وتوجيهه في خط سياسي واحد وهو الديكتاتورية، لكن هذا الأسلوب في حقيقة الأمر لن يغير من الواقع شيء، فإذا تم بالفعل تشويه الدستور المصري والتلاعب بمواده القانونية ذات القيمة الرفيعة “قانونيا ووطنيا” لصالح الرئيس المصري الحالي لن تكون فضائح أو جرائم النواب المعارضين “إذا وجدت” نافية للتشويه المزمع حدوثه أو مغيرة من طبيعة التلاعب القانوني المنتظر وقوعه، فتغيير أو تبديل مواد الدستور لصالح رئيس الجمهورية يعد مخالفة صريحة للدستور وهي جريمة لا تسقط بالتقادم وأي وصف خلاف ذلك هو تحايل لا يستقيم مع تلك الحقيقة الساطعة.
ليس بعاقل من يظن أن الحقيقة يمكن تعميتها أو رشوتها لكي يتم تمرير مخالفة واضحة للدستور دون تأثير على نظرة الشعب تجاه النظام الحاكم، وليس بحكيم من يظن أن مثل هذا الخطأ الكارثي، إذا حدث، سوف يعبر على التاريخ دون أن يلحق بفاعله والداعي له والصامت عنه العار، وليس بذكي من يظن أن التلاعب بالدستور والتشريع في أي دولة كانت سوف يعبر عبور الكرام دون تأثير على الهيكل الإداري للدولة، فالتلاعب بالدستور هو لون من الفساد والإفساد الإداري لسياسات الدولة ولا يوجد أدنى شك في أن هذا الفساد يعمل على تدمير الهيكلية القانونية المنضبطة للدولة ويصيبها بثقوب عسرة السد ويلحق بها أمراض صعبة الشفاء، ما ينعكس بالسوء على استقرار المجتمع وحياة سكانه.
نعم الدستور من صناعة بشر، لكن قيمته تنبع من التوافق الوطني والإرادة الجمعية للشعب التي من المفترض أن تكون قد بنيت عليها توجهات مؤسسات وأجهزة الدولة احترامًا وتقديرًا للتوافق الوطني الذي يعد بمثابة العهد الذي قُطع بين مؤسسات الدولة وأفراد الشعب، بالطبع يمكن تعديل الدستور في حالة واحدة وهي صالح الشعب والوطن بحسب الطريقة المنصوص عليها في الدستور ذاته وبحسب الاعتبارات الوطنية الواردة به وليس لصالح شخص معين مهما ارتقى هذا الشخص في منصبه أو علت رتبته.
الدستور المصري هو حارس شرعية رئيس الجمهورية، وهو أيضا حارس شرعية كافة مؤسسات الدولة المصرية وعلى رأسها مجلس النواب، فإذا حدث أن تلاعب أعضاء مجلس النواب بمواد الدستور فهم يتلاعبون بمصدر شرعيتهم ومصدر شرعية رئيس الجمهورية الحالي ما يهدد قانونية وشرعية وظائفهم التي يحتلونها في الوقت الراهن.
من المحزن أن أتحدث عن مدى خطورة وقبح تعديل الدستور لصالح رئيس الجمهورية، وهي من بديهيات العمل السياسي وإدارة الدول في وقت فيه تخطى العالم المتحضر مناقشة تلك الأفكار منذ سنين عديدة، لكن مشيئة الله أن أكون ههنا في ذلك الزمن المعتم لكي أرى مصر، وطني العزيز، في هذا الوضع المؤسف.. ليتنا نعبر هذا الظرف التاريخي بسلام بأقل الخسائر الممكنة.