سناء العاجي
المشهد الأول: التوقيت: مساء. تجتمع الأسرة حول التلفزيون لتتابع فيلم السهرة. على المائدة ما زالت بقايا العشاء في مكانها. أكواب الشاي موزعة بين الأيدي والمائدة. التلفزيون يعرض فيلم حرب. تقتل الشخصيات بعضها البعض. تتطاير الأيدي والأرجل على التلفزيون. الدم يملأ الشاشة والوجوه. تتابع الأسرة مشاهدة الفيلم باهتمام وتركيز. حتى الطفل الصغير ذو السنوات السبع، والذي يفترض أن لا يشاهد أفلام العنف تلك، مسمّر أمام الشاشة يتابع الفيلم بتركيز.
المشهد الثاني: التوقيت: مساء. تجتمع الأسرة حول التلفزيون لتتابع فيلم السهرة. على المائدة ما زالت بقايا العشاء في مكانها. أكواب الشاي موزعة بين الأيدي والمائدة. التلفزيون يعرض اليوم فيلما رومانسيا يحكي قصة حب جميلة. في لحظة بوح، يحضن الممثل حبيبته ويقبلها. ترتبك الأم في صالون الأسرة. يبحث الأب بسرعة عن جهاز التحكم. يغير القناة. تعرض الشاشة الآن فيلما وثائقيا عن توالد الحيوانات. ترتبك الأم من جديد. يضغط الأب مجددا على جهاز التحكم بعصبية. نشرة الأخبار. يتنهد الجميع في ارتياح. مشاهد الحرب في اليمن وسوريا تمر متتالية على الشاشة. صور الدمار والقتل والفقر والجوع… لكن الأسرة مطمئنة الآن، إذ لا أحد يقبل الآخر.
كم واحدا منا يجد نفسه في هذين المشهدين؟ كم واحدا منا عايشهما أكثر من مرة مع أسرته؟ هل ندرك إلى أي مدى يخيفنا الحب ولا يخيفنا العنف؟ هل ندرك كيف أننا نغير القناة أمام مشهد قبلة ولا نغيرها أمام عشرات مشاهد العنف؟
مشاهد الرومانسية والحب والعشق على التلفزيون تخيف فينا حراس الفضيلة والأخلاق. لكن مشاهد العنف، سواء كانت متخيلة (أفلام الكاراتيه، أفلام الخيال العلمي، إلخ) أو حقيقية (الأفلام الدعائية لداعش، أخبار الحروب، إلخ)، فهي جزء من المشهد الإعلامي اليومي الذي لا يزعج الأسر. بل حتى كون الأطفال يتابعنوها لا يشكل أي مصدر إزعاج للأسر.
اليوم، والعالم يحتفل بعيد الحب، يبدأ النقاش من جديد: إنه عيد تجاري. إنه عيد للكفار. وهل للحب يوم واحد في السنة؟ إنه مجرد تسويق رأسمالي…
وتتوالى الأعذار. أعذار تثبت حقيقة واحدة مفادها أننا نخاف من الحب ونخاف من الاحتفاء به. نخاف من البوح. نخاف من العشق. نخاف من الأحضان والقبل.
حتى لو سلمنا بأنه عيد تجاري رأسمالي، أفلم يتحول رمضان لمناسبة رأسمالية تسويقية لبيع المنتجات الغذائية بكثرة؟ ألم يتحول عيد الأضحى لضغط تجاري كبير جدا على الأسر؟ لكن هذا لا يمنع الأغلبية من الاحتفاء برمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، ولا يمنعهم حتى من تحمل الأعباء المالية لهذه المناسبات.
أفلا يزعجنا الجانب التسويقي إذن، إلا حين يتعلق الأمر بالاحتفاء بالحب؟ علما أننا نستطيع أن نحتفي بعيد الحب دون الأعباء المادية المرافقة. أن نحتفي بالحب لذاته. أن نحتفي بذلك الشعور الإنساني الذي يرتقي بنا…
النغمة الأخرى في هذا الإطار تتحدث عن تحريم هذا العيد لأنه عيد للكفار… وكأن الحب للكفار والكره للمسلمين. طبعا، فالعنف في شوارعنا وبلداننا ليس حراما. والظلم ليس حراما. لكن الحب يصبح حراما بقدرة الحقد “الساكن فينا ليل نهار”، تحريفا لأغنية عبد الحليم حافظ.
اتركوا لنا بعض مساحات الحب والفرح رجاء. دعونا نسترق فرص الاحتفال والاحتفاء، خارج إكراهات التحريم والعنف والكراهية. دعونا نحتفي بالعشق. دعونا نرقص للفرح وللحب. اتركوا لنا مساحات للحب. دعونا نسترق فرص الفرح المتاحة جميعها، حتى نقاوم القبح المحيط بنا.
كل عيد وأنتم مسكونون بالحب، محاطون به!
الحرة