نافذة

الأردن قلق..على قلق

علي سليمان

يتداول الأردنيون بعض الفيديوهات حول احتفالية، وهذه الفيديوهات لا يمكن الجزم بصحتها ونسبتها لحفل بعينه يبدو أنه يشغل الأردنيين ويؤرقهم وينغص يومهم حالياً، فهذه النوعية من الاحتفالات شبه أسبوعية في القاهرة ودبي وبيروت بشكل معلن، والتذكرة في العادة تتكلف أقل من مائة دولار، وإذا كانت الأخلاقيات الرفيعة للشعب الأردني سهلة الخدش وسريعة الاشتعال تحول دون اكتساب الخبرة في هذه العوالم فيكفي الاشتراك في مجموعات الإنستجرام العديدة التي تعلن عن هذه الحفلات، ونزف خبراً سعيداً أن هذه الحفلات كانت تشترط الدخول بصحبة زوجة أو صديقة ولم يعد الأمر مشروطاً مؤخراً.
الحفل المشكلة، والذي أتشكك في أنه الوحيد الذي يحدث في عمان، فجبال عمان ومزارعها تخفي الكثير من القصص والحكايات والحفلات المشابهة، كما تخفي ذلك، الشاليهات الخاصة في أي مكان في المنطقة العربية، والفرق، أن الناس في بقية بقاع العالم مقتنعة بأن هذه الأمور طبيعية للغاية، وأن وجود أماكن اللهو أو مختلف أنواع اللهو لا يشكل أي وصمة لبلد بالكامل.
يسمح القانون الأردني بالملاهي الليلة، ويمكن لأي مراهق أن يعرف مجريات الأحداث الروتينية في أي ملهى يومي، فهل المشكلة أن الأردنيين هي في ظهور المشكلة إلى السطح، والله إذا كانت المشكلة كذلك، فالأزمة أكبر من مجرد الحدث في حد ذاته، والذي أطلق عليه رعاته تسمية (قلق) فيما يبدو استشرافاً لما سيحدثه الحفل على المستوى الاجتماعي.
يوجد فرع من علم النفس يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية، ويبدو أن الشعوب العربية بشكل عام تعاني نوعاً من الانفصام بين ما تريده حقاً وبين إدعاءات العفة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي تمارسها يومياً، والأردنيون يشكلون حالة متطرفة من الانفصام تجاوزتها حتى الشعوب الخليجية، والدولة وظيفتها أن تقدم الحماية لمرتادي النوادي الليلية لأنهم يؤدون واجباتهم الضريبية ودور الوعظ يمكن أن يمارسه الآباء أو المدرسون، ومطالبة الدولة بالتدخل للمحاسبة بخصوص أحداث (قلق) تثير السخرية وتعبر عن مخزون عبثي كبير.
يتأهب أنصار أردوغان في الأردن لافتعال المشكلات مع أي نقد يوجه للباب العالي، ويصرون بشدة على مكافحة جميع الأقوال الفاسدة التي تشكك في رجاحة رؤيته الاقتصادية، ومع ذلك يتناسون بأن اللهو، البريء وغير البريء، يشكل أحد البنود الأساسية في ايرادات تركيا، وكل الوقائع المستهجنة في حفل القلق مجرد مظاهر اعتيادية لميدان تقسيم بعد منتصف ليلة الجمعة وحتى قبل الفجر بقليل، ويتصادف كل من الشباب المتوجهين للمساجد لصلاة الفجر مع عاملات الليل المغادرات من مواقعهن، دون مشكلات أو ضغائن أو مشاحنات، ولا يستطيع أن يطلق أحد على تركيا تسمية الدولة الفاضلة أو الفاجرة، لأن الدولة أصلاً لا يمكن أن توصف بذلك، ولا المجتمع، ولا مدرسة بعينها، فالفضيلة والجفور شؤون فردية خاصة للغاية.
من السهل ملاحظة أن التيار الديني بريء من الجلبة العالية للحفل، فالمواطن العادي الذي استغرب وجود طبقة تعيش حالة استرخاء مادي كبير، هو الذي يحرك مواقع التواصل الاجتماعي ويحرض الدولة على الاقتصاص من صورته المثالية التي يحاول تعليبها وتصديرها إلى الخارج، والدولة وجدت فرصة تحتاجها لتشتت الأنظار عن القوانين الاقتصادية التي ستدخل حيز التشريع قريباً، وهي فرصة ذهبية على الحكومة أن تستغلها.
المواطن الحصيف يمكن أن يسأل عن سبب اعفاء حفلة المغني العالمي توم جونز من الضريبة بمبالغ وصلت إلى 180 ألف دينار، وهو كرم لا يحلم به المغني في أي مكان آخر من العالم، وعليه أن يتأكد أن الجهات المنظمة للحفل دفعت الضريبة كاملة ودون أي استثناءات أو تجاوزات.
يعيق تطور السياحة الآمنة في الأردن عدم وجود الكازينو والحياة الليلة الآمنة، مع أن القمار والأعمال المنافية للآداب متوفرة ولكن تحت السطح، وتترافق بها أعمال البلطجة التي تمادت أحياناً على المجتمع، وعلى السائح أن يفضل الأردن على تركيا أو مصر أو لبنان أو تونس أو الإمارات لأنها توفر بعض المواقع الأثرية التي تفتقر لكثير من الخدمات، وأن يخلد للنوم في غرفته من الساعة الثامنة مساءاً، وبعد ذلك يدور الحديث عن تعثر القطاع السياحي في الأردني.
بينما يخشى الكثير من المحللين الاجتماعيين من موقع الفيس بوك ويطالبون بمراقبته ووضع الضوابط والمعايير لاستخدامه، فإن الخطر الذي يشكله الإنستغرام يتجاهله الاجتماعي بكل ما يتضمنه من تأزيم طبقي، الروائية اللبنانية المحجبة وصاحبة رواية بوركيني، استرعى انتباهها تمدد امبراطورية الانستغرام، صارحت القارئ بأن استكشافها لعالم الموقع الملون خلف أثراً في نفسها، وهي كما تصف نفسها ليست بالشخصية الخفيفة أو سربعة التأثر، وتعلن الحاج بأن مفاجآت الانستغرام هزتها، وبعثت لديها احساساً يتراوح بين الخيبة والحسرة.
تواصل الحاج: عند متابعة حياة “الإنستغراميين” المترفة، تستحضرك مقولة لم أعد أذكر صاحبها “لو أنّ الفقراء يدركون حقيقة الحياة التي يعيشها الأثرياء لامتلأت الميادين بالثوّار الغاضبين”. ومن المهمّ القول هنا إنّ الغضب الذي اعتراني ليس جرّاء الثراء الفاحش الذي يتباهى به أصحابه بلا حياء، وإنما مرجعه، أي ثقافة الاستهلاك المعمّمة عبر صورٍ تُحطّم الثقة بالذات، وتجعلك تغوص في حياة الآخرين وذواتهم، بدلاً من أن تتأمل حياتك وذاتك أنت.
من يلجأوون للهروب من مأزق الفيس بوك لترحيله لعالم الأنستغرام وحفلاته ونجومه لا يدركون حجم الورطة التي يمكن أن تستجلب مشكلة أوسع باستثارة الرغبة لدى الأردنيين في تعريف جديد لمعنى الحياة يقوم على رافعة الممنوع المرغوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق