السلايدر الرئيسيشرق أوسط
الاتحاد الأوروبي يعزز الهوية الفلسطينية الإيجابية ويقرّب الفلسطينيين من ثقافتهم
فادي ابو سعدى
ـ رام الله ـ من فادي ابو سعدى ـ يعمل الاتحاد الأوروبي على دعم منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والأوروبي النشيطة في مجال التماسك الاجتماعي وإرساء هوية فلسطينية موحّدة من خلال الثقافة والفنون، وقد أفضت نتائج ذلك العمل إلى خلق شعور بالإندماج في العالم وفي ثقافته.
واعتمدت كل من منظمة الرؤيا الفلسطينية التي يوجد مقرّها في القدس وملتقى شباب بلا حدود في غزة التظاهرات والملتقيات الثقافية كوسيلة لخلق هوية فلسطينية إيجابية وموحّدة، وقد صمما بالاشتراك مع منظمة شريكة من سلوفينيا مشروع حبكة وهو مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والفنانين الفلسطينيين تهدف إلى توجيه الثقافة والفنون نحو شوارع الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت لنا مرام الرجابي المشرفة على المشروع:” استهدفنا الأحياء المهمّشة مثل مخيمات اللاجئين والمدن المحافظة أكثر من المدن المنفتحة عادة أمام التظاهرات الثقافية والعروض الفنية” وأضافت في هذا الصدد ياسمين أسد، المكلفة بالاتصال في منظمة الرؤيا الفلسطينية أن استهداف المجتمعات المحلية المهمّشة يجعل المشروع يساهم في تعزيز الهوية الفلسطينية في تلك المناطق.
كما أن الأنشطة المشتركة مع الفنانين الأوروبيين قد ساعدت على فتح تلك المجتمعات المحلية واطلاعها على الثقافة الأوروبية مما من شأنه أن يشعرها بالإندماج في العالم وفي ثقافته : “هذه الفئات من المجتمع لا يمكنها الذهاب إلى العروض الدولية فقررنا أن نأتي بالثقافات و بالعروض إليها”.
يتكون مشروع حبكة من مجموعة متكاملة من الأنشطة تشمل مهرجان “عَ السطح” وعروضاً في الشارع ومتحف الشارع وستوديو للتصوير الفوتوغرافي الذاتي وتم تنفيذ الأنشطة في الخليل وفي نابلس وفي مخيم اللاجئين الدهيشة في بيت لحم وفي القدس الشرقية ومدينة غزة بمنحة من الاتحاد الأوروبي تناهز 176,734 ألف يورو تغطي 80% من كلفة المشروع.
وجاء مهرجان “عَ السطح” في شكل احتفالات امتدت على ثلاثة أيام ودارت فعاليتها على سطح مبنى على نمط الاحتفالات الفلسطينية القديمة وقد أكدت ياسمين الأسد على أن المنظمين “أرادوا أن يبينوا أن تنظيم المهرجانات للاحتفال بثقافتنا ولتمتين هويتنا لا يتطلب أموالاً طائلة. وقد جمع مهرجان “عَ السطح” فنانين فلسطينيين وأوروبيين في عروض مشتركة تعكس التناغم بين الموسيقى والأصوات الفلسطينية والأوروبية”.
التحم الفنانون الفلسطينيون بالفنانين الأوروبيين في إطار عروض الشارع وقدموا مشاهد مثل الدبكة والبريك دانس وركوب الدراجات بطريقة فنية وقالت لنا ياسمين الأسد بشأن البرنامج:” استدعينا فنانين مثل فرقة زيد هلال من فلسطين وعازف السكسفون الانكليزي، سام، وراقصة البريك دانس الفرنسية، لينا، وفرقة مختصة في ركوب الدراجات تحمل اسم BCX قامت بعروض فنية في الشارع وفرقة الزيتونة للدبكة والرقص من فلسطين”.
وكانت أنشطة الشارع ممتعة وتمكنت من استقطاب جماهير غفيرة حيث أكّد لنا منسق المشروع، عامر دراغمة على أن ” الجمهور أُعجب بالاستعراض في الشارع والتحق بنا المزيد مع تقدّم الموكب حتى نقطة وصوله” وأضافت ياسمين:” لقد أثلجت الفرحة التي رأيناها على وجوه أطفال غزة صدورنا”.
أما متحف الشارع الذي انطلق في نهاية الموكب فقد عرض لوحات فلسطينية وأوروبية في الشارع ليتمتع به الجميع وشرحت ياسمين ذلك بقولها:” لم نكن نستهدف المهتمين بالفن بل سعينا إلى إخراج المتحف من الفضاءات المغلقة إلى الشارع وكنا نريد دفع الناس نحو الفن حتى وإن لم يكن ذلك عن وعي”.
شارك في ذلك المتحف ثمانية فنانين، أربعة من فلسطين وأربعة من أوروبا، عرضوا 24 لوحة في أربع مدن فلسطينية هي نابلس وغزة والخليل والقدس وبقي المتحف في كل مدينة لمدة شهر كامل وقد قدم الفنانون الأوروبيون من سلوفينيا وإيطاليا وهولندا وفرنسا.
محمود أبو الدغش، 26 سنة، هو أحد الفنانين الفلسطينيين المشاركين في المتحف من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية وهو رسام موهوب انطلق في الرسم منذ سن السادسة. لم يدرس الفن بل عمل على تطوير موهبته بذاته من خلال الممارسة وباتباع أشرطة تعليمية. وقد قدم لنا محمود نفسه من أعلى كرسيه المتحرّك وقد تملك به الخجل: “القوة التي تحركني هي حبي للرسم وأنا أمارس شغفي كل يوم”. رغم موهبته لم يستطع محمود أن يكسب قوته من الفن وهو يعتبر أن ” حياة الفنان الفلسطيني شاقة لأنه لا يستطيع أن يكسب قوته من فنه، كل ما أقدر أن أفعله هو أن أدرّس الفن لكن ذلك لا يضمن لي دخلاً كافياً”.
شارك محمود في استعراض الشارع وفي المعرض في نابلس ولم يتمكّن من الذهاب إلى الخليل وغزة والقدس لكن لوحاته سافرت إلى تلك المدن وقد أصابه إحساس قويّ عندما وصلت لوحاته إلى المدينة القريبة من قلبه:” أنا أعشق القدس لكن لا يمكنني أن أذهب إلى هنالك بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل لكنني سعيد لكون جزء مني، لوحاتي التي رسمتها، تمكّنت من الدخول إلى القدس” .
ساهمت مشاركة محمود في متحف الشارع المنظّم في إطار مشروع حبكة في تغيير إدراكه لأبناء وطنه: ” اكتشفت أن الفلسطينيين يحبّون الفن والرسم ويحملون حسّاً فنيّاً”. لم يقبل على عروضه السابقة سوى عدد ضئيل من الناس وبما أنه واجه صعوبات لبيع لوحاته فقد كان له انطباع بأن الناس العاديين لا يهتمون بالفن أما الآن فقد غيّر رأيه بل تبيّن له أن الفلسطينيين لهم حسّ فني وكان لا بد من إيجاد القناة الملائمة لإيصال الفن إليهم وذلك هو الدور الذي اضطلع به مشروع حبكة.
ومن جانب آخر، ساهم المشروع في التعريف أكثر بمحمود أبو الدغش كفنان الذي قال:” كان المعرض من أكثر المعارض الناجحة التي شاركت فيها وكان له دور كبير في التعريف بي وبأعمالي لدى عدد أكبر من الناس “. يحلم محمود بالمشاركة في معارض دولية ليعرض فنه وليبعث برسالة تتجاوز حدود فلسطين يقول فيها أن الفلسطينيين هم مثل غيرهم من الناس على وجه الأرض:” نحن بشر لنا ثقافتنا وفننا ونعجب بثقافات وفنون غيرنا”.
وتمثّل النشاط الرابع في إنتاج كتاب بعنوان ” احذر الهوّة: بذور المستقبل الفلسطيني” أنجزه الصحفيان السلوفينيان بربرا فودوبيفاك وبوجان براسلاي بعد أن زارا العديد من المدن الفلسطينية وسألا الفنانين المشاركين عن أحلامهم المستقبلية كما التقطا صوراً لكل من تحاورا معهم وجمعوا في نهاية المطاف 55 صورة رافقت الأجوبة التي حصلا عليها بشأن أحلام المستقبل واكتست تلك الأجوبة أهميّتها من كونها تكشف عن تطلعات الفلسطينيين.
تم إطلاق الكتاب خلال فترة عيد الميلاد في ساحة المهد ببيت لحم وقد خلقت الأفكار المضمنة في الكتاب حواراً داخل المجتمع الفلسطيني بشأن الهجرة مقابل البقاء في الوطن والعديد من المسائل الأخرى.
وأفادت مديرة المشروع مرام رجبي بأن المسؤولين الفلسطينيين أعجبوا بمشروع حبكة وعبّروا عن رغبتهم في برمجته سنوياً وذكرت لنا أنه في نهاية الاستعراض افتتاح المتحف في نابلس أكّد المسؤول عن إدارة شؤون الشباب في المدينة على أن منظمة الرؤيا الفلسطينية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي قد أنجزت عملاً رائعاً وعلى المدينة والمجتمع المدني اعتماد مثل تلك الأنشطة وبرمجتها على نحو سنوي وقالت لنا بكل فخر:” تلك هي الشهادة بنجاح المشروع”.
وأضافت: أظن أننا ساهمنا في تسليط الضوء على الثقافة الفلسطينية كما أطلعنا المزيد من الفلسطينيين على ثقافتهم من خلال التوجه نحو المجتمعات المحلية المحرومة التي لم تكن لها الفرصة أبداً أو نادراً لحضور مثل هذه الأنشطة ولم تكن منفتحة تماماً على ثقافتها ناهيك على الثقافة الأوروبية، إضافة إلى ذلك فتحنا المجال أمام العديد من الفنانين المحلين وساهمنا في شهرتهم.