أقلام يورابيا

جبل العرب ركيزة الاستقرار في الجنوب السوري

*د. مهيب صالحة

أولى تداعيات زيارة نتنياهو إلى موسكو والإعلان عن تشكيل لجنة عمل مشتركة لإخراج الأجانب (إيران) من سوريا، انطلاق حملة شعواء على شبكة التواصل الاجتماعي تنذر بهجوم “داعشي” واسع النطاق على جبل العرب ذي الغالبية الدرزية من جهة الشرق، بواسطة “الدواعش” الذين خرجو من الهجين وباغوز في دير الزور.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن جميع التهديدات التي توجه إلى جبل العرب، بالظاهر وبالباطن، تأخذ مداها في إرباك المجتمع المحلي، وإثارة الفزع في نفوس مواطنيه العزل: أولاً، لعدم وجود مرجعية سياسية في الجبل تقوم بتقدير الموقف وبناء الاستراتيجيات والأفعال المناسبة واتخاذ الاجراءات الضرورية لحشد القوى من أجل صد أي عدوان.

ثانياً، في الجبل رجال أشاوس ونساء ماجدات إذا دعاهم الواجب لن يتوانوا للحظة عن تلبيته، لكن الفزعات غير المنظمة والقوى المسلحة المبعثرة بدون وحدة القيادة والسيطرة لن تكون أُكُلُها على قدر الحدث إن وقع، ولا ثمارها على قدر الطموح، وتجربة الخامس والعشرين من تموز 2018 شاهد لا لبس فيه.

ثالثاً، إن استقالة الدولة من وظيفتها الرئيسة وهي حماية البلاد وتأمين الأفراد والممتلكات يجعل الثقة بينها وبين مواطنيها في الجبل شبه معدومة، وبالتالي تعدم أية إمكانية لتعاون المجتمع الأهلي والدولة لصد العدوان إن وقع وقبله التحضير والتنسيق لمواجهته.

رابعاً، غياب الثقة يثير شكوكاً مهمة لدى شريحة واسعة من سكان الجبل حول تواطؤ السلطة، أو بعض مرتكزاتها، في عدوان تموز الماضي وربما في أي عدوان قادم يراد منه قلب المعادلات السياسية التي استقر الرأي الدولي عليها في جنوب سوريا.
من كل ما تقدم لا مندوحة من أن يتنبه الجبل للمخاطر المحدقة به لو، لا سمح الله، تعرض لعدوان ما من طرف ما. ولكن المسألة لا يجب أن تؤخذ بخفة أو استهتار، إذ لابد من استطلاع الموقف الميداني قبل كل شيء وتسيير دوريات في مواقع ارتكاز في جهة الشرق على طول خط التماس بين الجبل والبادية وبين الجبل واللجاة، واستنفار كافة العناصر المسلحة في جميع القرى وداخل السويداء والمناطق.

وكذلك اجتماع أهل الحل والربط من كل مكونات الجبل لتدارس الموقف والتواصل مع القوى الفاعلة في المسألة السورية، وتحميل الدولة مسؤولياتها عن حماية الجبل، أو تفسير ما يجري وما يشاع، أو إعادة مجندي الجبل الذين التحقوا بالخدمة العسكرية للمشاركة في حمايته الذاتية إذا تقاعست الدولة عن فعل ذلك.

إن قوات “داعش” انهارت تماماً في شرق الفرات، في الهجين وباغوز، والعناصر من داعش التي ربما هربت من قبضة قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي باتجاه البادية والمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام وحلفائه لا يتجاوز عددها بضع عشرات تبعثرت في مساحة واسعة غرب الفرات، وهي غالباً معزولة السلاح ومنعزلة، لذلك فإن كل ما يشاع عن هجوم داعشي محتمل على جبل العرب هو من قبيل تسخين الصراع بين إسرائيل وإيران على المنطقة الجنوبية بعد التفاهم الإسرائيلي ـ الروسي ضد إيران.

والسؤال الأبرز في هذا الصدد أي من الدولتين له مصلحة في خرق حالة الاستقرار النسبي في الجنوب السوري، ومن ضمنه جبل العرب، التي أمنتها تفاهمات خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية بإشراف الدولتين العظميين أمريكا وروسيا؟
تدرك إسرائيل أن سلاح الجو لا يخرج الإيرانيين من الجنوب السوري، لأن القوات الإيرانية وجماعاتها المسلحة تمتلك القدرة الكافية للمناورة إما بتغيير المواقع لسهولة حملها وانتقالها، أو لسهولة اندماجها بالقوات السورية. من هذا المنطلق لا يجوز تبرئة العدو الإسرائيلي، بعد زيارة نتنياهو لموسكو وتشكيل لجنة إخراج إيران من سوريا، من إثارة فتنة تستهدف توريط جبل العرب في نزاع مع إيران وحلفائها سواء من داخل النظام السوري أو من ميليشياتها الطائفية، مما يسهل على إسرائيل، خلط الأوراق في الجنوب السوري، ومن ثم توجيه ضربة قاضية بغطاء روسي تضعف قوات إيران وتؤدي لخروجها.

في المقابل، لا يستبعد أن تكون إيران وراء هذه الحملة من أجل امتصاص الصدمة الأولى لتفاهمات بوتين ـ نتنياهو، وتوجيه رسالة بأنها قادرة على خلط الأوراق لمصلحتها من خلال بوابة جبل العرب الذي يعيش وضعاً هشاً من السهل اللعب فيه لخربطة المعادلات الإقليمية في منطقة خفض التصعيد الجنوبية وإرباك الدولتين العظميين، من جهة إرباك روسيا المنشغلة الآن في الشمال السوري ومعادلاته المعقدة، ومن جهة أخرى إرباك أمريكا التي تقود حملة دولية واسعة النطاق بعد اجتماع بولونيا ضد إيران.

إن استعمال بضع عشرات من الدواعش الهاربين من معارك دير الزور سواء من قبل إسرائيل أو من قبل إيران لن يتجاوز عمليات إرهابية محدودة لا تصنع فرقاً يستفاد منه في استراتيجية كلا البلدين وبالتالي يستبعد أي دور لداعش في الحملة المزعومة على جبل العرب.

وإذا كانت إسرائيل أساساً لا تملك أية قوات عسكرية على الأرض ولا قوات طابور خامس، واستحالة القيام بانزال جوي مفضوح، فإن احتمال تنفيذ أي هجوم على جبل العرب لخلط الأوراق وقلب المعادلات سيكون من مصلحة إيران والجهات المنفذة بعض حلفائها من النظام، الذي لم يعد كتلة واحدة منذ زمن، ومن ميليشياتها الطائفية أيضاً، وأن أية محاولة لتغطية العدوان بغطاء داعشي ستكون مفضوحة وساذجة حتى لو استخدم المعتدي الأساليب “الداعشية” القذرة لتمويه عدوانه.

إن محاولة البعض اتهام النظام، ككتلة، في التحضير لعدوان على جبل العرب، برأيي، تجانب الحقيقة. فالنظام، أو كتلته الرئيسة لا يريد الخروج في هذا التوقيت بالذات عن الإرادة الدولية التي تؤمن جبل العرب في إطار تأمين منطقة خفض التصعيد الجنوبية.

وإذا تعرض لضغوطات من جانب الحليف الإيراني فلن ينصاع لها حتى لا يغضب الحليف الروسي، لأن من مصلحة النظام الحفاظ على الاستقرار النسبي في محيط العاصمة طالما التركيز الذي تقوده روسيا الآن يتمحور حول إدلب، وخاصة أن روسيا صارت على قناعة تامة بأن جبل العرب يخلو من الإرهاب ومن القوى المسلحة المناهضة للدولة، بل أكثر من ذلك فإنه متمسك بوحدة الدولة السورية عماد الذات الوطنية التي تربى أبناؤه عليها.

على عقلاء جبل العرب الترفع اليوم عن المناكفات والمزايدات والضغائن السياسية لتجنب، ولو احتمال ضعيف، وقوع عدوان عليه لقلب معادلات الجنوب السياسية التي يتربع في داخلها، ويشكل ركيزة استقرارها النسبي ريثما توضع المسألة السورية برمتها على سكة الحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق