السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
مخاوف التونسيين من الفيضانات ضاعفها عدم الثقة في قدرة الدولة على حمايتهم
– تونس – حالة تأهب قصوى اليوم في مختلف جهات الجمهورية التونسية بعد تحذيرات مصالح الرصد الجوي من عواصف وأمطار طوفانية قد تشمل جل المناطق الساحلية ومن بينها محافظة نابل التي مازالت تعاني من مخلفات كارثة فيضانات السبت الماضي. تنبيه متتال من المعهد الوطني للرصد الجوي وكذلك من جل المؤسسات الحكومية والوزارات حيث تم إيقاف الدروس في بعض المدارس والمعاهد الثانوية في المدن الساحلية.
حالة من الضغط النفسي والعصبي ومن الهلع والتوتر يعيشها التونسيون عقب تحذير جهات الرصد الجوي والملاحة من أمطار غزيرة ورياح قوية قادمة إلى تونس، وبسبب ما حصل في نابل منذ أيام قليلة وحصيلة الخسائر البشرية والمادية الهائلة ومخلفات الفيضانات التي أثرت بشكل مباشر على السير العادي لحياة المواطنين وخلفت لدى بعض الأسر حالة من البؤس إثر الدمار الذي لحق بمنازلهم وأثاثها أو الذي بموارد رزقهم ومحالهم وضيعاتهم. يضاف إلى ذلك ما لاحظه جل التونسيين من بطء في التدخل وعجز عن حماية وانقاذ الكثير من المتضررين بجانب تواصل البطء في القيام بأعمال التنظيف وإزالة مخلفات السيول والوحل وإصلاح الطرقات وفسح المجال للمارة والسيارات بعد الفيضانات، جلها عوامل أفقدت التونسيين ثقتهم في أن لديهم دولة قادرة على حمايتهم ومساندتهم وعلى حفظ سلامتهم وحياتهم.
وتناقلت وسائل الإعلام المحلية والخارجية والدولية وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي بكثافة الوضع البيئي وحالة الدمار التي لحقت بالبنية التحتية كما نقلت شكاوى وتذمر أهالي محافظة نابل الذين بالرغم من صعوبة الوضع ودهشتهم من تخلي الدولة بمختلف مؤسساته وأجهزتها على التدخل لفائدتهم خصوصا لتنظيف الشوارع ورفع مخلفات الفيضانات قدموا دروسا في التضامن والتكافل الاجتماعي وفي حب الوطن وخدمته.
فتيات وشبان ورجال ونساء وأطفال وتلاميذ تعاونوا أثناء تواجدهم في الأحياء التي غصت بالمياه الجارفة وتواصل تكافلهم وحمايتهم لبعضهم البعض بعد انتهاء الأمطار. عائلات فتحت أبواب منازلها لاستقبال الجيران ممن احتلت السيول والوحل منازلهم. وغداة الكارثة اجتمع المتساكنون مندهشين من آثار ما عاشوه يوم الفيضانات؛ أكوام من الوحل في كل مكان وفضلات وحطام للطرقات ولمولدات الكهرباء ولخزانات المياه دمار وتلف سلع العديد من المحال التجارية وغيرها من المنازل. وزاد ذهولهم غياب الدولة التام وعدم تلبيتها لنداءات الاستغاثة وطلب القيام بخدمات وعمليات التنظيف والإصلاح لمخلفات الكارثة.
يبدو أن مشاعر الخوف وفقدان الثقة في الدولة والشعور بغيابهم من العوامل التي تبرز وتقوّي وتدعم المد التضامني الاجتماعي، وكذلك تخلق حالة من اللحمة الاجتماعية والتعاون من أجل تعويض غياب سلط الإشراف والقيام بدورها وكأنهم يمررون رسالة لدولتهم مفادها نحن قادرون على حماية أنفسنا وصون بلادنا بأنفسنا وقال العديد منهم ما مفاده أن حبهم لمدينتهم وللحياة سوف يكون مصدر الطاقة والقوة الذي يجمعهم ويجعلهم لا يتخلون عن جمال مدينتهم وأنهم لن يدخروا جهدا في تنظيفها وفي إصلاح ما أمكنهم لكي تسترجع بريقها وجماليتها.
صور جميلة ومؤثرة صور في حب الوطن وحب الأهل وحب الأرض وحب الحياة… هكذا علق كل من شاهد وشارك صور التلاميذ والأطفال والأمهات والمربين وهم ينظفون مؤسساتهم التعليمية ويمرون منها إلى الحي ومنازل الأجوار، عوّل أهالي المنطقة على أنفسهم واستعانوا بمعدات منزلية وبسيطة للتخلص من كم الأوحال والأتربة الهائل، ومن المياه التي غمرت الطرقات والأحياء والمنازل والمحلات التجارية، وأتت على الممتلكات والمعدات والتجهيزات، وأغرقت الأراضي والأشجار والنباتات وبفضل جهودهم أعادوا لمدنهم بعضا من نظافتها وجمالها.
ويتواصل هذا العمل المجتمعي والمدني في مختلف المناطق المتضررة من الفيضانات إلى اليوم وسط مشاعر الخوف من موجة أمطار جديدة قادمة وهلع مما يمكن أن ينتج عنها خصوصا في نابل، وغضب من تقاعس وعجز السلطات الرسمية وخصوصا منها المحلية وتبين لغالبية التونسيين أنه أمام مثل هذه الكوارث ليس لديهم حل أفضل وأنجع من الاعتماد على جهودهم الفردية والجماعية وإمكانياتهم الذاتية.