السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

تونس: الخطاب المزدوج أُسّ الاستقرار السياسي في عرف حركة النهضة

– تونس – تفاعلا مع الحوار الذي أدلى به الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مساء الاثنين، والذي تناول الوضع السياسي التونسي بالتركيز خاصة على إعلان “الطلاق” السياسي بين الرئيس السبسي وحركة النهضة، أطلقت حركة النهضة جملة من المواقف الرسمية حاولت التقليل من أثر تصريح الرئيس، والذي بدا للتونسيين أنه يضع الحركة في الزاوية انطلاقا من تأكيده كون الحركة هي التي طلبت فك الارتباط السياسي.
بدا الأمر ببيان حركة النهضة الذي أكدت فيه “التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية”، ثم تتالت المواقف والتصريحات، من قبيل تصريح القيادي في الحركة عبداللطيف المكي، وتصريح لطفي زيتون، وغيرها من التصريحات التي صبت كلها في نفس الاتجاه: التشديد على التمسك بالتوافق والتأكيد على ضرورة الاستقرار الحكومي.
الملفت للنظر في البيان المشار إليه أنه كان مختوما بتوقيع مكتب الإعلام والاتصال في الحركة، ولم يحمل توقيع رئيس الحركة مثلما جرت العادة في التفاعل مع الأحداث الكبرى داخل الحركة، ولا شك أن تصريح لرئيس الجمهورية يعلن فيه القطيعة مع الحركة يعد حتما من الأحداث الكبرى، لكن دواعي إصدار مكتب الإعلام والاتصال للبيان تظل غامضة، ولا شيء يفسرها غير ضرورة الإسراع في إبداء الموقف.
الربط بين التشديد على ضرورة تواصل التوافق السياسي وبين أهمية الاستقرار الحكومي، يشي بأن النهضة تقيم الوضع السياسي التونسي وفق تموقعها الراهن ووفق حساباتها للمرحلة القادمة، وعنوانها المركزي الانتخابات الرئاسية للعام 2019.
تدركُ النهضة تماما أنه لا يمكنها حكم البلاد منفردة، وهي في بحث دائم عن تحالفات مع أحزاب أو تيارات تكون توجهات لا إسلامية ولا متطرفة، حتى وإن انعدمت الروابط والمشتركات الأيديولوجية، جرى ذلك مع المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي) ومع التكتل الوطني للعمل والحريات أثناء تجربة الترويكا، ثم جرى مع حركة نداء تونس رغم ما يفصل الحزبين من اختلافات وتمايزات فكرية كثيرة.
ويرجع عجز النهضة عن الحكم منفردة أولا إلى أنها لا تملك رؤية (شأنها في ذلك شأن كل التيارات والأحزاب الإسلامية) ويعود ثانيا إلى أنها تعرف أنها لن تتوصل إلى تشكيل أغلبية برلمانية أو دعما شعبيا لتجربتها، ويرجع ثالثا لأنها تقع في مرمى نيران خصومها الذين يعيبون عليها إفراطها في التركيز على مشاريعها الأيديولوجية الإخوانية، أكثر من تركيزها على الوطن وأساسيات الحكم.
وكان الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري قد صرح أن “النهضة لم تقطع علاقتها برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ولم تطلب منه ذلك.. وأنها ستظل حريصة على التوافق الوطني وعلى استمرار الحوار مع رئيس الجمهورية”.
أما مسألة تشديدها على ضرورة الاستقرار السياسي، وهي الفكرة التي عبر عنها القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون بقوله إن “الاستقرار السياسي يكون باستكمال الانتقال الديمقراطي من خلال تركيز باقي المؤسسات الدستورية”، وهي إشارة إلى موقف الحركة من مسألة بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أصبحت النهضة متشبثة به أكثر من أي وقت مضى، لكنها في المقابل حاولت إلزامه بأن لا يترشح لانتخابات 2019.
العزف الدائم على وتر التوافق، وترديد نغمة الاستقرار السياسي والحكومي وسلامة الانتقال الديمقراطي، جلها عبارات واضبط النهضة على ترديدها في كل منعرج سياسي وهي التي يصفها كثيرون بالعدة التي تدير بها النهضة الأزمات السياسية في تونس، وهي أسلحة لغوية لا تخلو في ظاهرها من الرصانة السياسية والحكمة في إدارة الشأن العام إلا أنها تخفي نوايا الحركة في التمسك بمواقعها ومكاسبها، بل هي من قبيل الانحناء حتى تمر العاصفة. وهي أيضا صورة نموذجية لازدواجية الخطاب النهضوي الذي تعود عليه التونسيون وبالأخص الساسة منهم فما يصرح للعلن يكون في أغلب الأحيان لا علاقة له بما يخطط له في دواليب الحركة.
والمثير للتساؤل حول انكار النهضة للسعي أو لطلب القطيعة مع الرئيس الباجي قائد السبسي الذي عبر عن ذلك بصراحة بقوله أن الحركة نفضت يديها من الباجي وأنها دخلت في تحالفات وتوافقات أخرى تراها الأنسب لموقعها السياسي أنه صرح بذلك بعد اجتماعه بأيام برئيس الحركة راشد الغنوشي مؤكدا على الصداقة بينهما مضيفا بأنه “لا صداقة” في الأمور السياسية وأمام مصلحة تونس.
وتستفيد النهضة من التصدعات التي تشق نداء تونس وغيره من الأحزاب، وتستفيد من حالة الترهل التي تعيشها المعارضة، ولذلك تحاول حث خطاها في الاستعداد للاستحقاقات السياسية القادمة، وأقربها الانتخابات الرئاسية التي شدد الرئيس التونسي على ضرورة أن تجري في موعدها رغم بعض المطالبات بالتأجيل، وفي الأثناء تدير الحركة ظهرها لما يسود البلاد من أزمات وكوارث مثل الفيضانات الأخيرة في نابل والتي فضحت سوء الإدارة واهتراء البنى التحتية.
وقد حملت حركة النهضة مسؤولية ما يحصل في البلاد ومسؤولية الخسائر الفادحة بعد فيضانات محافظة نابل على لسان القيادي لطفي زيتون بتصريحه بأن ”المسؤولية السياسية لما حدث في نابل يتحملها من يحكم حاليا”، موضحا أن ”التقصير في علاقة بكارثة نابل كان في عدم توجيه المواطنين والوقاية من الكارثة” وهو لم يحمل ولو جانبا قليلا من المسؤولية للحكومات السابقة التي بدورها أهملت صيانة ودعم البنى التحتية في جل جهات تونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق