شرق أوسط
تنظيم داعش في سوريا يعدّ أيامه بعد استسلام الآلاف من مقاتليه
ـ الباغوز ـ يعيش تنظيم داعش “لحظاته الأخيرة” في شرق سوريا، بعدما دفع القصف العنيف على جيبه المحاصر، ثلاثة آلاف من مقاتليه إلى الاستسلام في اليومين الأخيرين، لكنه رغم ذلك ما زال قادراً على شن هجمات معاكسة تستهدف منذ الصباح قوات سوريا الديموقراطية.
وبعدما كان التنظيم أعلن في العام 2014 إقامة “الخلافة الإسلامية” على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا، بات وجوده يقتصر اليوم على جيب محاصر داخل بلدة نائية على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، خرج منه الآلاف من الرجال والنساء والأطفال خلال الأيام الأخيرة.
وتدور منذ الصباح اشتباكات عنيفة بين الطرفين في الباغوز، مع شنّ مقاتلي التنظيم هجومين معاكسين على مواقع قوات سوريا الديموقراطية، مستغلين سوء الأحوال المناخية جراء عاصفة رملية في المنطقة.
وقال قيادي ميداني على الخطوط الأمامية لفرانس برس “شن داعش هجومين مضادين اليوم، صباحاً وبعد الظهر” مشيراً إلى أن “الهجوم الثاني كان أقوى بكثير كونهم استفادوا من الدخان المتصاعد فوق الباغوز” جراء الحرائق “فضلاً عن الغبار” بسبب العاصفة.
ويستخدم التنظيم وفق مقاتل في موقع متقدم في الباغوز، “الكثير من الانتحاريين”. وقال إنه تم “قتل بعضهم قبل الوصول إلى هدفهم، ومنهم من فجر نفسه في مدرعة مصفحة”.
على سطح مبنى قرب الخطوط الأمامية، يترقب المقاتلون أخبار رفاقهم في الميدان ويرصدون عبر أجهزة اللاسلكي آخر التطورات. وتشن طائرة ضربتين جويتين تعلو إثرها سحب الدخان فوق سماء المخيم.
ويقول المقاتل دليل “يوم العاصفة الترابية لهم، لكنّ الأيام الباقية كلها لنا”. ويشرح زميله خابور أن مقاتلي التنظيم “إذا أمطرت فهذا لصالحنا، إذ يزول الغبار تماماً وتصبح الرؤية واضحة”.
وتؤكد قوات سوريا الديموقراطية أنها منعت التنظيم من تحقيق هدفه. وقال القيادي الكردي جياكر أمد لوكالة فرانس برس في الباغوز “قد يكون هذا آخر هجوم لهم”، مضيفاً “بدأت اللحظات الأخيرة لداعش”.
“استسلام جماعي”
وتأتي المعارك اليوم غداة إعلان مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي أن “ثلاثة آلاف إرهابي” استسلموا في اليومين الأخيرين، في ما اعتبره مؤشراً على أن “ساعة الحسم أصبحت أقرب من أي وقت مضى”.
و”استسلم” مقاتلو التنظيم، وفق بالي، “بشكل جماعي”، خلال الأيام الماضية.
ويقتصر وجود التنظيم على مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية. واستأنفت قوات سوريا الديموقراطية الأحد بدعم من التحالف هجومها الأخير، بعدما أعلنت أن مهلة “استسلام” مقاتلي التنظيم قد انتهت.
ولا تملك هذه القوات تصوراً واضحاً لعدد مقاتلي التنظيم الذين ما زالوا محاصرين في الباغوز، بعدما فاقت أعداد الذين خرجوا في الأسابيع الأخيرة كل التوقعات.
وأفاد المتحدث باسم التحالف شون راين لفرانس برس الأربعاء أنه بفضل عمليات قوات سوريا الديموقراطية وضربات التحالف، “تم احراز تقدم وتدمير قدرات (التنظيم) بشدة”.
وقال إن طائرات التحالف “تواصل شن الضربات دعماً لعملية إنزال الهزيمة بداعش كلما تطلب الأمر وسمحت الفرصة، سواء ليلاً أم نهاراً”، موضحاً أنه “لا يُسمح للعدو بحرية الحركة ليلاً”.
عند خطوط الجبهة الخلفية في الباغوز، شاهد فريق وكالة فرانس برس صباح الأربعاء وسط حقل غطته زهور برية صفراء، ثلاثة مقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية وهم يطلقون قذائف الهاون باتجاه بقعة الارهابيين.
وكانت مقاتلة بينهم ترفع قذائف الهاون، الواحدة تلو الأخرى. وتضعها مع زميلها في القاذفة، ثم تبتعد عنها لتقف خلف ساتر قريب وتشد حبلاً فتنطلق القذيفة نحو هدفها.
على بعد مئات الأمتار، أحاط مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية وعناصر من التحالف الدولي بعشرات الأشخاص غالبيتهم نساء وأطفال علقت الرمال المتطايرة بوجوههم وثيابهم. ويرجح أنهم خرجوا خلال الساعات الأخيرة من الجيب المحاصر.
نزوح ستين ألفاً
في الأسابيع الأخيرة، علّقت هذه القوات مراراً هجومها ضد جيب التنظيم، ما أتاح خروج عشرات الآلاف من الأشخاص، غالبيتهم نساء وأطفال من أفراد عائلات المقاتلين، وبينهم عدد كبير من الأجانب.
بدأت قوات سوريا الديموقراطية منذ أيلول/سبتمبر هجومها في شرق سوريا. وعلى وقع تقدمها العسكري، خرج نحو 60 ألف شخص منذ كانون الأول/ديسمبر من مناطق التنظيم.
وخضع الرجال والنساء والأطفال وغالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم بعد خروجهم. وتمّ نقل الرجال المشتبه بأنهم ارهابيون إلى مراكز اعتقال، فيما أرسل الأطفال والنساء إلى مخيمات في شمال شرق البلاد أبرزها مخيم الهول الذي بات يؤوي أكثر من 66 ألفاً.
وتوشك “خلافة” التنظيم على الانهيار في سوريا، بعد سنوات أثار فيها الرعب بقوانينه المتشددة واعتداءاته الوحشية. ومُني التنظيم بخسائر ميدانية كبيرة خلال العامين الأخيرين.
ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.
وفي شريط مصور نشرته حسابات جهادية على تطبيق “تلغرام” ليل الإثنين، دعا التنظيم أنصاره في الباغوز إلى “الثبات”، في مواجهة الحصار والقصف الذي يتعرضون له.
وقال أحد المتحدثين في الشريط “إن قُتلنا وإن أُبدنا عن بكرة أبينا، فهذا نصر”. وأكد أن “الحرب سجال ولم تنته المعارك”.
وتضمن الشريط صوراً لخيم وغرف من الطين وشاحنات، تشبه الى حد بعيد صوراً سبق لوكالة فرانس برس أن عاينتها من نقاط متقدمة على الجبهة قرب الباغوز. (أ ف ب)