شرق أوسط

جيب تنظيم داعش يحترق ومقاتلوه متشبثون بالقتال حتى النهاية

ـ الباغوز ـ تغلف سحابة سوداء كثيفة الجيب الأخير لتنظيم داعش في الباغوز. في الأجواء، لا يتوقف هدير الطائرات وأصوات الرشقات الرشاشة. لكن مقاتلي التنظيم يتشبثون بالدفاع عن آخر مواقعهم في هذه البلدة التي كانت منسية حتى الأمس القريب.

ورغم “استسلام” المئات وتضارب التقديرات حول أعداد المحاصرين منهم، لا يزال مقاتلو التنظيم المتطرف قادرين على شنّ هجمات مضادة من جيبهم المكتظ بالخيم وأشجار النخيل، مستفيدين من عاصفة رملية تضرب المنطقة ومن خنادق تحت الأرض ينطلقون منها لشن هجمات.

في موقع لقوات سوريا الديموقراطية على بعد نحو كيلومتر عن خط الجبهة، يشرح قيادي ميداني يُلقب باسم “شيخ الجبل” لوكالة فرانس برس الأربعاء كيف “شنّوا هجومهم من محورين، الأول من جهة نهر الفرات والثاني من ناحية التلة” المطلة على مخيمهم.

يشير بيده نحو النهر، الذي تقع الباغوز على ضفافه الشرقية، محاولاً شرح المشهد الميداني، لكن الدخان الكثيف المتصاعد يحجب الرؤية تماماً. وتبدو أمامه مبان عدة وأراض تملأها هياكل سيارات وشاحنات وصهاريج محترقة، تفصل مواقع قواته عن جيب التنظيم.

شنّ التنظيم الأربعاء هجومين مضادين ضد مواقع كانت قوات سوريا الديموقراطية قد تقدمت إليها ليلاً، دافعاً إلى الأمام انتحارييه ومعتمداً على صواريخ حرارية وقناصة.

ويوضح القيادي، وفي يده جهاز لاسلكي وعلى خصره جهاز آخر، “يستخدمون الأنفاق والخنادق، ولديهم قناصون محترفون للغاية”. وتبدو خلفه سحابة سوداء تظلل سماء مخيم التنظيم، ناجمة عن قصف طال مستودعات ذخيرة. وساهمت عاصفة رملية في هذه المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية في تمدد السحابة على مساحة أكبر.

لا يستغرب شيخ الجبل وجود مستودعات سلاح وذخيرة كثيرة في بقعة محدودة بهذا الشكل.

ويقول “احتل داعش مناطق واسعة في سوريا والعراق، واستولى على أسلحة وذخائر من قوات عسكرية وهذا كله تم نقله إلى معقله الأخير في الباغوز”.

ويوضح “تتوفر لدى داعش كل أنواع الأسلحة، الثقيلة منها والخفيفة، بما فيها دوشكا وبنادق قناصة (إم 16) وقذائف هاون لكنه حتى الآن لا يتقبل فكرة أنه خسر حلمه كدولة”.

 “يخرجون من الأرض” 

مُني التنظيم خلال العامين الماضيين بخسائر ميدانية متلاحقة، بعدما كان أعلن في العام 2014 إقامة “الخلافة” على مناطق واسعة احتلها في سوريا والعراق المجاور، بنى فيها مؤسساته وجبى الضرائب وفرض قوانينه المتشددة.

لكن من إجمالي مساحة عادلت حينها مساحة بريطانيا نفسها، لم يبق لدى التنظيم إلا بقعة صغيرة عبارة عن مخيم عشوائي وأراض زراعية في محيطه، داخل بلدة نائية في أقصى الشرق السوري.

وفي شريط مصور بثته حسابات جهادية ليل الإثنين، دعا التنظيم أنصاره إلى “الثبات”. وقال المتحدث الرئيسي فيه “إذا كان عندنا آلاف الكيلومترات ولم يبق إلا بعض الكيلومترات، فيقال خسرنا”، لكن “المقياس عند الله يختلف”.

في الباغوز كما في قرى وبلدات أخرى جرى طرد التنظيم المتطرف منها، ينتشر الدمار في كل مكان. أبنية متصدعة ومنازل مهجورة تحيط بها سيارات محترقة وعبوات رصاص وحتى قذائف هاون فارغة.

ولا تزال لافتات قديمة تملأ الباغوز، مشيرة إلى محلات سابقة ومؤسسات على غرار “انترنت الباغوز” و”دجاج للبيع” و”معمل الثلج”.

أستأنفت قوات سوريا الديموقراطية ليل الأحد بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن هجومها للقضاء على آخر مقاتلي التنظيم. وبينما تضيء القنابل والحرائق جراء القصف المدفعي والغارات سماء الباغوز ليلاً، تتراجع العمليات القتالية عادة خلال ساعات الصباح، وهو ما لم يسر منذ الأربعاء جراء الهجمات المضادة.

بعد مواكبته التقدم على حساب التنظيم ليل الثلاثاء الأربعاء، يصل المقاتل صلاح الدين (35 عاماً) إلى موقع خلفي لقواته. ويقول الشاب الأسمر البشرة لفرانس برس “في كل مرة نتفاجأ، نظن أنه لم يعد هناك دواعش وسننتهي قريباً، لكنهم يخرجون من تحت الأرض”.

ويضيف “لديهم أسلحة رشاشة وصواريخ وقذائف هاون وأحزمة ناسفة”.

يحلم صلاح الدين بيوم إجازته، ليعود إلى مدينته الحسكة (شمال شرق) ويلتقي أطفاله الأربعة، وتحديداً ابنته البالغة من العمر عشرة أعوام والتي لا تكفّ عن البكاء كلما تحدثا عبر الهاتف.

ويوضح “لا أقول لها الحقيقة أساساً. إذا أخبرتها أنني في المعارك لن تتوقف عن البكاء ولن تتابع دروسها”.

 “لن أعود إلى منزلي” 

في موقع آخر لقوات سوريا الديموقراطية في الباغوز، يصل المقاتل ماسينو كوباني (21 عاماً) متعباً وقد احمرت عيناه بعد ليلة أمضاها في القتال.

يقاتل هذا الشاب المتحدر من مدينة كوباني (شمال) منذ 2014 ويقول إنه عاهد نفسه مذاك ألا يعود إلى منزله قبل دحر التنظيم، ويكتفي بالتواصل مع عائلته عبر الهاتف.

ويقول “وضعت في رأسي فكرة أنني لن أعود إلى منزلي قبل القضاء على داعش… هذا هو طموحي”.

شارك هذا المقاتل المندفع في طرد التنظيم من مدينته كوباني بعدما التحق بصفوف وحدات حماية الشعب الكردية، ثم قاتل في مدينة منبج شمالاً فالرقة التي كانت تعد المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا. وها هو يتربص لمقاتلي التنظيم في الباغوز منذ ثلاثة أشهر.

يستعيد لحظات صعبة ظن فيها ورفاقه أنهم لن يتمكنوا من طرد التنظيم. ورغم التعب والإرهاق بعد سنوات من القتال، يحلم كوباني اليوم أن يشهد هزيمة التنظيم ويعود إلى حضن عائلته ويجد لنفسه وظيفة في مدينته.

ويقول “في البدء كانت المعارك أشرس والارهابيون أكثر، أما اليوم فباتوا ضعفاء. لم يعد لهم شيء”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق